المسلم مع الآخرين الّذين يختلف معهم في الخط ، فليست هناك عقدة ذاتية ضد الشخص أو الجماعة ، بل هناك موقف ضد الخط الفكري والعملي ، فإذا تغيّر الخط في الاتجاه الإيجابي ، تغيّر الموقف في هذا الاتجاه من دون أن يخلّف الماضي عقدة لدى الحاضر أو المستقبل في ما كان يعيشه من تصرّفات سلبية متشنّجة.
* * *
إقامة حكم الله أساس للرخاء الاجتماعي
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) لقد جاءت الرسالات الإلهيّة من أجل إقامة العدل على الأرض بين النّاس وإشاعة الرخاء والأمن والطمأنينة في الحياة من خلال ذلك ، لأنّ العدل كلما امتد في الأرض ، كلما تساقطت الامتيازات المصطنعة والأنانيات المعقدة ، وتحولت الأوضاع من حالة تخلّف وضياع إلى حالة تقدم وانطلاق وامتداد في رحاب الله. وهكذا كانت رسالة التوراة والإنجيل في مفاهيمهما العامّة الّتي لا تختلف مع حركة الرسالة الأخيرة ، وهي الإسلام ، وإن كانت تختلف معه في بعض التفاصيل ، فهي سبيل رخاء في ما تستهدفه من بناء الشخصيّة الإنسانيّة على أساس متين ، فلا مجال لأي انحراف أو اهتزاز وارتباك يحاول إفساد العلاقات ، وبالتالي ، إفساد الحياة العامة والخاصة للنّاس. وعلى ضوء هذا ، جاءت الآية الّتي توحي إليهم بأنّ كل هذه المشاكل التي يتخبطون فيها ، وما يلحق بهم من هزائم وفقر وقلق وارتباك وفساد ، كانت ناشئة من عدم ارتباطهم العملي بالتوراة والإنجيل ، وما أنزل إليهم من ربّهم من الكتب الأخرى ، فلو أقاموها فيما بينهم (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) لأنّهما سبيلان للخير والأمن