والصلاح. وقد يثير بعض المفسرين في هذا المجال مسألة هذا التأكيد القرآني على التوراة والإنجيل ، مما يوحي بأنّهما يمثّلان الحقيقة في صورتهما الحاليّة الموجودة عند اليهود والنصارى ، وهذا مما يتنافى مع إشارة القرآن إلى وجود بعض التحريف فيهما من بعض الجهات ، ولا يتوافق مع فكرة نسخ الشرائع الّتي يفرضها تعاقب الرسالات. ولكنّنا نجيب عن ذلك ، بأنّ الآية تتحدث عن التوراة والإنجيل بما يمثّلانه من حقيقة نازلة من السماء على موسى وعيسى عليهالسلام ، وأمّا قضيّة النسخ ، فإنّها لا تتناول المفاهيم العامة الّتي تعتبر المبادئ الأساسية الّتي تنزلت بها الرسالات في ما ترتكز عليه قضيّة الإيمان والحياة ، بل تتناول التفاصيل والجزئيات الّتي تختلف حسب اختلاف الزمان والمكان ، وهذا ما يؤكده الإنجيل الّذي جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة ، وما يؤكده القرآن الّذي جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل ، وهذا ما يوحيه الإيمان الإسلامي لأتباعه ، بالإيمان بما أنزل إلى محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى النبيينعليهالسلام من قبله.
* * *
ليس كل اليهود والنصارى سواء
(مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) وهذا توضيح من الله سبحانه وتعالى للحقيقة الواقعيّة الّتي كان عليها أمر اليهود ، فلم يكن هؤلاء بأجمعهم فاسقين ، ولكنّ الأكثرية منهم كانت كذلك ، فهناك أمّة مقتصدة أي معتدلة في أمور الدين والحياة ، لا تنحرف عن الخط ، بل تظل منسجمة مع الاستقامة في العقيدة والعمل ، ليأخذ كل واحد حقّه في الأحكام التقييمية السلبيّة والإيجابيّة.