وعلى ضوء هذا ، فإنّ سياق الآيات ليس سياق حوار حول التفاصيل في نبوّة عيسى ، بل هو في مواجهة اليهود للإسلام كله ، لأنّهم يرون أنّ دينهم هو خاتم الأديان ، ولا يعترفون بدين بعده ، ولا برسول من بعد موسى ، ولهذا فإنّ سبب النزول أشبه بالاجتهاد منه بالرّواية. والله العالم.
* * *
دعوة إلى محاورة أهل الكتاب
ويثير القرآن الحوار مع أهل الكتاب ، في أسلوب مميّز يريد من خلاله أن يقودهم إلى التأمل في دوافعهم الخفيّة بما يكشف لهم النوازع الذاتية المعقّدة من شخصيتهم ويعرفهم أنّهم ليسوا بمنأى عن الفضيحة ، فمهما حاولوا الاختباء وراء بعض الأقنعة التي تخفي ملامحهم الحقيقيّة في ما ينوونه أو في ما يفعلونه ، فإنّ الله يكشف ذلك كله لرسوله وللمؤمنين. وقد جاء الأسلوب بلهجة هادئة هي أقرب إلى لهجة العتاب ، في صيغة السؤال العميق : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) لماذا كل هذه الحرب؟ ولماذا كل هذا التآمر؟ وماذا فعلنا لكم حتّى نستحق كل هذا الضغط والكراهية ، ولماذا تنقمون منّا؟ ماذا نريد ، إلى أيّ شيء ندعو ، هل تنقمون منّا إلّا أنّنا سرنا في خط الهدى المستقيم؟! إنّنا آمنا بالله وبرسالاته وكتبه الّتي أنزلت إلينا وإلى من قبلنا ، وإنّكم انحرفتم عنه إلى السير في خط الأنانية الذاتية والفئوية ، والعمل على تحطيم كل الأشياء المقدسة التي تحول بينكم وبين الوصول إلى مطامعكم ومطامحكم في مركز الرئاسة. وربّما كان الأسلوب بمثابة الإشارة إلى أنّ الموقف الّذي اتخذه أهل الكتاب لم يكن ناشئا