المؤمنين وبين غيرهم من أهل الكتاب. ولكنّ بعض المسلمين ينحرفون عن هذه القاعدة ، لأنّ في قلوبهم مرضا ناشئا من ضعف الإيمان وفقدان الثقة بالله ، فتراهم يلهثون خلف هؤلاء ويسارعون فيهم ، فيندمجون في داخل مجتمعاتهم حتّى يحسبهم الناظر أنّهم منهم ، في أسلوب العلاقة والتعامل والموقف ، لأنّهم يخافون أن ينهزم المسلمون أمام اليهود والنصارى وتدور الدائرة عليهم ، مما يعرّضهم للخطر ويؤدّي بهم إلى الهلاك. ولذلك كانت الخطة أن يتنازلوا ويخضعوا ويقدموا لهم فروض الطاعة والعبوديّة ، ليحصلوا على الأمن والطمأنينة ، وتلك هي حجّة المنافقين في كل زمان ومكان ، فهم لا يتحركون من مواقع العقيدة ، ولا ينطلقون من مواقع التضحية ، بل يواجهون القضيّة بمنطق المنفعة والطمع والشهوة ، في الوقت الّذي يفرض عليهم الإيمان بالله أن يظلوا على خط الأمل الأخضر برعاية الله للمؤمنين (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) للمسلمين على الكافرين (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) في ما يدفع به عنهم من ضرّ أو يجلب لهم من نفع ، وحينئذ تنكشف أوضاع هؤلاء المنافقين أمام الحقيقة الواضحة ، (فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ). ويقف المؤمنون ليسجلوا هذا الموقف ضد المنافقين الّذين قد تفاجئهم الهزيمة الّتي يقع فيها الكافرون ، فيظهر عليهم الألم والهلع ، فينكشف أمرهم للمؤمنين (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ). فما ذا يمثّل هؤلاء الآن أمام الهزيمة الّتي كشفت زيفهم ونفاقهم ، وماذا تمثّلون أنتم في مواقفكم المهتزة بفعل النتيجة المريرة من خيبة الأمل؟ إنّ النهاية الأليمة هي الّتي تنتظر الجميع (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) وتحولت كل جهودهم إلى جهود ضائعة ، فلا مجال لديهم إلّا للحيرة والقلق والضياع ..
* * *