وقد يثور هنا سؤال :
لماذا هذا التحذير للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو المعصوم ـ من أن يفتنه الآخرون عن بعض ما أنزل الله إليه ، والنهي له عن اتباع أهوائهم؟
فهل كان النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم في الموقع الّذي يمكن فيه أن يتبع أهواء هؤلاء اليهود ، أو أن يفتنه هؤلاء عن دين الله؟
والجواب : إنّ هذه الآية ـ والآيات المماثلة في القرآن ـ لا تتحدّث عن الحالة الشخصيّة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في اهتزازها بالعناصر الضاغطة الّتي يحركها هؤلاء ، وفي انفعالها وتأثرها بالإغراءات والأساليب الحميمة الّتي يثيرونها في وجدانه ، بل هي ـ والله العالم ـ واردة في تصوير الواقع الموضوعي في الوسائل والأساليب الّتي يحرّكها هؤلاء في ساحته ، مما يخططون فيه لإخضاعه لأهوائهم ولفتنته عن بعض ما أنزل الله إليه ، بما تشتمل عليه من الضغوط الهائلة الّتي تزلزل الإنسان العادي الّذي لا يملك قاعدة نفسيّة من العصمة الروحيّة المانعة عن الاهتزاز والانحراف ، مما يجعل النهي عن اتباع أهوائهم ، والتحذير من فتنتهم ، مرتبطين بالمسألة الموضوعيّة في العناصر المثيرة الّتي يوجهونها إليه ، لا بالحالة الذاتيّة الّتي يعيشها في وجدانه الرسالي الّذي يملك القوّة الّتي لا تضعف أمام التحديات.
* * *
الحكم حكمان : حكم الجاهلية وحكم الله
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي يريدون منك إصداره في القضيّة الّتي تحاكموا إليك فيها ، وهم ـ في أجواء الآية ـ اليهود الّذين كانوا إذا سرق الشريف تركوه