وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ كما في قصة أسباب النزول ، بحيث كان للمركز الاجتماعي للشخص دور كبير في طبيعة الحكم الصادر له أو ضده ، تبعا للامتيازات الطبقيّة والأهواء الذاتيّة أو الفئويّة ، بعيدا عن حكم الله في التوراة الّذي أكده الإسلام في القرآن والسنّة ، وهو الحكم العادل الّذي ينظر إلى طبيعة القضيّة من خلال عناصر الإثبات فيها ، من دون الالتفات إلى طبيعة الشخص في دائرتها الواقعيّة ، وهذا ما يشعر فيه النّاس بالأمن على حقوقهم وقضاياهم ، لأنّهم متساوون أمام الشريعة في ساحة الواقع والقضاء ، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) في عناصره الحيّة من حيث انسجامه مع المصلحة الإنسانيّة في صعيد القيم الروحيّة والأخلاقيّة والحاجات الحيويّة للإنسان ، مما يفرض الخضوع له ، والانفتاح عليه ، والثقة به ، (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بالعدالة الإلهيّة في الحكم والتشريع من موقع إيمانهم بالربوبية المطلقة لله الّتي ترعى كل المخلوقين بالحكمة واللطف والرحمة على صعيد العدل الّذي ينطلق من الجانب الموضوعي للمسألة في الواقع الإنساني العام من دون تفريق بين قويّ وضعيف وكبير وصغير وغنيّ وفقير ، لأنّ الجميع عباده ، فلا حاجة لديه إلى أحد دون أحد ليظلم هذا أو ذاك ، فإنّ الظلم شأن الضعيف الّذي يعيش الضعف أمام الآخر والخوف منه فيلجأ إلى ظلمه ، والله هو القويّ ، القادر على كل شيء.
وقد ورد في أكثر من حديث التأكيد على حكم الله في مقابل حكم الجاهليّة ، فقد ورد الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «الحكم حكمان: حكم الله وحكم الجاهليّة ، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهليّة» (١).
وأخرج البخاري عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أبغض النّاس
__________________
(١) البرهان في تفسير القرآن ، ج : ١ ، ص : ٤٧٨.