الترك له ، وهو خلاف التولّي إليه لأنّه الإقبال عليه ، والتولّي له : صرف النصرة والمعونة إليه.
* * *
القران والتصدي الواقعي لظاهرة النفاق
وهذه صورة حيّة من صور البلبلة الّتي كانت تسود مجتمع المدينة ، بفعل ما كان يثيره المنافقون واليهود من مشاكل وأزمات داخل المجتمع الإسلاميّ ، ممّا أثقل قلب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حزنا وقلقا وألما رساليا إلى أقصى الحدود ، فهموم النبوة لا يمكن فصلها عن هموم الرسالة ، لأنّ الهم الشخصي والذاتي للنبوة يذوب في الهم الرسالي لدرجة أنّه لا يمكن تفكيك أحدهما عن الآخر. فالنبيّ في كل حركاته ومواقفه وتطلعاته ، في كل آماله وأشواقه ، في كل آلامه وأحزانه .. في حضوره التاريخي ، إنّما يفعل وينفعل بانفعالات فعل الرسالة الّتي يحملها. فعلى صعيد النبوّة ثمّة تماه مطلق بين ذات النبيّ ورسالته. ولعلّ هنا بالتحديد يكمن سر العصمة ومرتكزها. ولذا جاءت هذه الآيات لتؤكد للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الثقة بالمستقبل وبالهيمنة الرسالية ، إذ قضى الله بذلك ، حتّى يكون الإسلام في موقع القوّة ، ويكون المنافقون في موقف الضعف.
ولكن من هم هؤلاء؟ وما قصة هذا الجو الّذي أرادوا خلق البلبلة من خلاله؟ وكيف واجه القرآن الموقف في ما أراد الله لنبيّه أن يواجههم به؟ إنّهم (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) بالرسالة والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والّذين قد يتمادون بكفرهم فيسيرون إليه بخطوات واسعة ، وذلك بإنكارهم وجحدهم للخالق تبارك وتعالى ، فهم لم يؤتوا أنفسهم فرصة للتّأمل والتفكر ، ليكون موقفهم موقف الفكر المتأمّل ، إذ القضيّة عندهم ليست قضيّة مواجهة المصير بقناعة