وهذا ما يؤكده المنهج القرآني للمعرفة ، فلا يقتصر على الطريقة العقليّة الّتي تعتمد على التأمل والاستنتاج العقلي ، بل يمتد إلى الطريقة العلميّة التجريبيّة الّتي تتحرك من خلال الحسّ الّذي يجمع للإنسان كل مشاهداته ومسموعاته وملموساته ومشموماته ومذوقاته ليحركها في اتجاه الإنتاج العقلي للفكرة العامة.
وهذا ما ينطلق من خلال الواقع الإنساني في أفكاره التجريديّة العقليّة الّتي لا علاقة لها بالحسّ ، وفي نظرياته التجريبيّة الّتي تنطلق من الحسّ إلى العقل ، فلا صحة للّذين ينكرون العقل ، ولا للّذين ينكرون التجربة في المعرفة.
* * *
كيف نستوحي القصة؟
إنّ هذه القصة القصيرة الّتي رواها القرآن لنا في إطار الحوار القصير ، تجسّد لنا الصورة الحيّة لشخصيتي الإنسان الشرير والخيّر ، لتربطنا بفكرة الخير وتبعدنا عن فكرة الشر ، في موقف يوحي ـ للناظر والمستمع ـ بفظاعة موقف ذاك إزاء روعة موقف هذا ، حيث نرى الجريمة خالية من كل مبرراتها وحيثياتها العادلة الّتي تجعل منها عملا عادلا ، لأنّها نشأت من حالة نفسيّة معقّدة بالحسد ، إذ ليس للضحيّة فيها أي ذنب ، بل نجد ـ في جو الآية ـ أنّ الضحيّة لم تحاول أن تجعل من قبول قربانها ورفض قربان المجرم لها أساسا لأي تصرّف استعراضي يسيء إلى كرامته ، بالشكل الّذي يتبعه الرابحون أمام الخاسرين ، لأنّ خلق الأخ المؤمن كان بعيدا عن ذلك كل البعد.