يتحوّل له أخوه ، فيكون جيفة نتنة ، أو يمكن أن يكون طعمة للسباع ، فيكره ذلك له.
والظاهر من الآية أنّ قابيل كان ساذجا في معرفته للأشياء من خلال فقدان التجربة العمليّة الّتي يعرف بها خصائص الأمور ، وعدم وجود أيّة وسائل تعليميّة أخرى لما يتصرّف به الإنسان في قضاياه الخاصة ، وربّما توحي بعض كلمات المفسرين بأنّ هابيل كان أوّل ميّت من النّاس ، فلم يعهد في واقع ذلك المجتمع الصغير أيّة تجربة مماثلة سابقة ، ليعرف قابيل ـ من خلالها ـ كيف يتعامل مع هذا الحدث الجديد ، إلى أن بعث الله الغراب ليقوم بتجربة حفر الأرض ثمّ العودة إلى طمر الحفرة بالتراب من جديد ، في الوقت الّذي كان قابيل يتابع عمل الغراب. وقد ذكر بعض المفسرين ؛ اجتهادا وتفسيرا أو رواية ، أنّ الله بعث غرابين أحدهما حيّ والآخر ميّت ، أو كانا حيين فقتل أحدهما صاحبه ، ثمّ بحث الأرض ودفنه فيها.
فقد جاء في الرواية العامة ـ كما يقول صاحب مجمع البيان ـ عن جعفر الصادق عليهالسلام قال : «قتل قابيل هابيل وتركه بالعراء لا يدري ما يصنع به ، فقصده السباع ، فحمله في جراب على ظهره حتّى أروح (١) ، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله ، فبعث الله غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما صاحبه ، ثمّ حفر له بمنقاره وبرجله ، ثمّ ألقاه في الحفيرة وواراه ، وقابيل ينظر إليه فدفن أخاه» (٢). فإذا صحت هذه الرّواية ، فإنّها تدل على أنّ المسألة كانت تعليما إلهيا من خلال الإلهام للغراب حتّى يفعل ذلك مما لم يكن معتادا للطيور ، وربّما يؤيد ذلك ما يمكن استفادته من قوله تعالى : (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) أي كما وارى هذا الغراب
__________________
(١) أروح : أنتن.
(٢) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٢٣٢.