موضع الأمر ، كقولهم : أطاع كذا في موضع : أطاع الأمر بكذا.
وأمّا ما ذهب إليه الكشاف من أنّ معنى «طوّعت له نفسه» : «وسعته له ويسرته من طاع له المرتع إذا اتسع» (١) ، إنّما يندرج في سياق ما تقدم ، لأنّ التوسعة والتيسير إنّما يتمّان من خلال الأفكار الّتي توحي بها النفس الأمارة بالسوء ، فتسهّل له قتل أخيه بإبعاد المعوّقات الّتي تمنعه ، وتهيئة الوسائل الّتي تقربه إلى ذلك ، والإيحاء بعض النتائج الإيجابيّة على مستوى الواقع النفسي والاجتماعي الّتي توحي له بما يمكن أن يحققه من الراحة النفسيّة والميزة الاجتماعيّة في ذلك. وهذا هو ما تقوم به النفس في غرائزها ومشتهياتها وتعقيداتها وأوضاعها الداخليّة في توجيه الإنسان إلى الشر ، (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) لأنه خسر الدنيا إذ خسر أخاه ، ولم يحقق لنفسه ما بريده على مستوى تمنياته وأوضاعه ، وخسر الآخرة لأنّه استحق بقتله أخاه عذاب النّار من خلال غضب الله عليه.
ومن الطريف ما نقله صاحب مجمع البيان عن استدلال بعضهم بقوله : (فَأَصْبَحَ) على أنّه قتله ليلا ، وردّه بأنّه «ليس بشيء لأنّ من عادة العرب أن يقولوا : أصبح فلان خاسر الصفقة إذا فعل أمرا كانت ثمرته الخسران ، يعنون حصوله كذلك لا أنّه تعلق بوقت دون وقت» (٢).
* * *
منزلة الحس والتجربة في نظر القرآن
(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) أي يحفر فيها كأنّه يطلب شيئا في أعماقها ، (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) أي عورته ، كناية عمّا يمكن أن
__________________
(١) تفسير الكشّاف ، ج : ١ ، ص : ٦٠٨.
(٢) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٢٣١.