القتل لديه ، فهو لم يقل له إنّك إن أردت قتلي سأسهّل عليك الأمر وأضع نفسي في تصرفك ، بحيث لا أدافع عن نفسي ، ولا أتّقي القتل ، وإنّما قال : «ما كنت لأقتلك ..» كما لم يقل : إني أرغب بأن تقتلني لتكون من الظالمين ، لأنّ هذا من قبيل التسبيب بضلال الآخر وشقائه وهو من الظلم والضلال سواء في ناموس الفطرة ، أو في أحكام الشرع ، وإنّما قال : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي) ذلك على تقدير بسطك يدك لي لتقتلني. فصيلة تقدير الأمر هنا هو دورانه بين أن يقوم هابيل بقتل أخيه فيكون هو الظالم الحامل للإثم الداخل في النّار ، أو يقتله أخوه فيكون هذا مصيره .. فمع دوران الأمر بين هذين الاختيارين ، كان اختيار هابيل أن يكون مقتولا على أن يكون قاتلا مأثوما ظالما داخلا في النّار.
وفي مطلق الأحوال لقد كان الحوار بينهما يتحرك في دائرة الحادثة القربانيّة على مستوى تهديد هذا بقتله ورفض ذاك القيام برد الفعل في هذا الاتجاه ، مما جعل الحديث عن الإثم في القتل أمرا طبيعيا في أسلوب الحوار.
* * *
إغراءات القتل
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) ليس المراد هنا أن طوّعت متضمنة لمعنى انقادت أو سوّلت ، بل إنّ التطويع يدل على التّدريج ، كما تدل الإطاعة على الدفعة ، كما هو الغالب في بابي الإفعال والتفعيل. فالتّطويع في الآية اقتراب تدريجي للنفس من الفعل بوسوسة بعد وسوسة ، وهمامة بعد همامة ، تنقاد لها حتّى تتمّ لها الطاعة الكاملة. فالمعني : انقادت له نفسه ، وأطاعت أمره إياها بقتل أخيه طاعة تدريجيّة ، فقوله : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) من قبيل وضع المأمور به