(قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) لأنّك أصبحت تمثّل الرمز الأفضل لأكون ـ أنا ـ في موقع الرفض والإهمال من قبل الله ، وإني لا أطيق ذلك ، ولا أتحمل رؤيتك تتحرك في الحياة في فضائلك الأخلاقيّة والروحيّة ، لأنّك تذكرني دائما بهذا الموقف المهين ، (قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، فلم تكن المسألة في طبيعتها ـ في قبول قرباني ورفض قربانك ـ متعلّقة بالجانب الذاتي في شخصك أو شخصي ، بل هي متصلة بالجانب الإيماني في العقل ، والجانب العملي في الواقع ، فقد سرت على خط التقوى في مراقبتي لله في السّر والعلن في أموري كلها ، وأطعته في أوامره ونواهيه ، بينما كنت على النقيض من ذلك ، أنانيا لا تفكر إلّا بنفسك ، خاضعا لشهواتك ، ناسيا لربك ، جاهلا لمقامه ، الأمر الّذي أدّى بك إلى أن تكون علاقتك بالله خارج ذاتك من دون روح ولا إيمان ، وهذا هو سرّ المسألة ، فالله يتقبّل من المتقين ولا يتقبل من غيرهم ، لأنّ التقوى هي الّتي تقرّب الإنسان إلى ربّه من خلال تقوى العقل والقلب واللسان والعمل بالجوارح كلها. فلما ذا لا تتقي الله في حاضر أمرك ومستقبله؟ فلعلّ ذلك يحقق لك ما تريده من محبة الله لك ، فيتقبل قربانك من جديد في أجواء التقوى عندك. و (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) من خلال عقدة الحسد في نفسك الّتي تدفعك إلى الجريمة بقتل أخيك من دون تفكير بالأخوة الّتي تفرض عليك احترام رابطة الدم الّتي تربطك به ، أو بالنتائج السلبيّة في غضب الله الّذي يزداد عليك عند ما تتحول إلى إنسان مجرم قاتل لأخيه من دون ذنب ، (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) فيمنعني ذلك من نيّة الشرّ ، لأنّ الله يبغض الّذين يفكرون بالشرّ للنّاس ، ويحب الّذين يفكرون بالخير ويعملون له في القريب والبعيد ، ولهذا فإنّ إساءتك إليّ في كلامك وحسدك لي في نفسك ، وإعلانك عن عزمك على قتلي ، لا يبرر لي الإقدام على قتلك ، فإنّ الله لم يأذن لي بذلك ، وهذا ما يؤدي بي إلى الامتناع عن كل ما بجلب لي سخطة ويعرّضني لعذابه ، (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّار