في آية أخرى في قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران : ١٨٣] ، فإنّ الظاهر من هذا ، أنّ هناك نارا إلهيّة يرسلها الله لتأكل القربان المقبول وتترك غير المقبول ، وقد أكدت هذا المعنى الرّوايات الإسلاميّة الواردة في هذا الموضوع ، كما تحدثت على الخلفيات النفسيّة لهذين الرّجلين في الإخلاص لله ، وقالت كما في تفسير القمي نقلا عن الميزان : لما قرب ابنا آدم القربان ، قرب أحدهما أسمن كبش كان في صيانته ، وقرب الآخر ضغثا من سنبل ، فتقبل من صاحب الكبش وهو هابيل ، ولم يتقبل من الآخر ، فغضب قابيل ، فقال لهابيل : والله لأقتلنّك .. إلى آخر الحديث (١).
وتكشف هذه الرّواية عن الروح السمحة لهابيل في إخلاصه لربّه ، فيقدم في عبادته له أفضل ما عنده ، بينما يعيش قابيل روح البخل الذاتي والتلوث الروحي ـ حتّى في العبادة ـ فيقدم ما لا قيمة لا عنده ، وهكذا تقبّل الله من هابيل قربانه دون قابيل ، وفوجئ قابيل بالنتيجة الّتي دلت على تميز أخيه ، وتقدمه عليه ، في الكرامة الّتي حصل عليها من الله ، مما جعله يشعر بالإحباط والسقوط أمام إخوته ، فتحركت في داخله عقدة الحسد الّتي بدأت تأكل قلبه وتقضّ مضجعه ، وتوحي إليه بالكثير من الأفكار الشريرة ضد أخيه الّذي لم يكن له يد في ما حصل له من الرفض الإلهي لقربانه.
وهكذا تحوّل الحسد عنده إلى إرادة بغي وعدوان وتهديد لأخيه ، حتّى أنّه لم يملك لنفسه من الإعلان عن عزمه على قتله ، مما يعني أنّه كان لا يتقن أساليب الإخفاء لما في قلبه من خلال السذاجة الفكريّة والعمليّة ، فلم تكن له أيّة معرفة بوسائل اللف والدوران الّتي تمثل الحيل الخفيّة في الإيقاع بالآخر :
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٥ ، ص : ٣٢٥.