من هنا ، فقوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) ، يراد به قصة النبيّ آدم أبي البشر ، وتقييده ، سبحانه وتعالى ، الكلام بقوله : (بِالْحَقِ) ـ وهو متعلق بالنبإ ـ أو بقوله (* وَاتْلُ) لا يخلو من إشعار ، بأنّ نبأ هذه القصة كما هو معروف في الوسط الديني اليهودي لا يخلو من تحريف وإسقاط ، وهذا ما هو عليه الأمر بالفعل ، إذ إنّ الفصل الرابع من سفر التكوين من التوراة المتصدي لخبر هذه القصة ، أسقط منه الجزء المتعلق ببعث الغراب وبحثه في الأرض ، كما أنّ القصة كما هي واردة في التوراة ، صريحة في تجسيم الرب ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. ولا ريب أيضا ، أنّ في هذا التقييد إشعارا للنّاس ، بأن يكون تناقلهم للأخبار دقيقا خاليا من التحريف والتشويه والإسقاط أو الإضافات.
ويبقى أنّ قصة هابيل وقابيل التي تمثل صراع الخير والشر ، هي أول جريمة تعود إلى فجر التاريخ ، حيث تشكل الإرهاصات الأولى للواقع الاجتماعي وللتجارب النفسية الشخصية .. ، الّتي قد تسهم تعقيداتها في إيجاد الدوافع الذاتية للجريمة. كما تظهر هذه الحادثة التأثيرات التّي يمكن أن تتركها الدعوة الدينية حتّى ولو في صورتها الأولية على الإنسان الفطري الساذج ، لا سيما في بعدها القيمي والأخلاقي. فموقف الأخوين صريح في الكشف عن هذا التأثير سلبا أو إيجابا.
فبالرغم من أنّ كليهما ينتميان إلى بيئة اجتماعية ساذجة هي أقرب وألصق بحياة الفطرة والطبيعة حيث لم تتعقد العلاقات على أنواعها ولم تبلغ درجة عالية من التطور ، بحيث إنّ الأثر الاجتماعي ، في ذلك الوقت ، على سلوك الإنسان ، كان لا يزال ضعيفا ، مما يترك هامشا أكبر للنوازع الذاتية على الجوانب الغريزية في الإنسان في التأثير على السلوك الإنساني عموما ، لا سيما إذا ما توفرت الأجواء المناسبة لها ، تماما كما هي الحالة الّتي تكشف