وربما علل البعض مسألة المهر بأن الطلاق بيد الرجل ، فليس للمرأة ضمان في حياتها المشتركة ، وهكذا منحت المرأة حقا بمطالبة الرجل بوثيقة مالية مضافا إلى ثقتها الشخصية ، فإذا ألغينا حق الرجل بالطلاق وجعلناه خاضعا لإرادة مشتركة فقد المهر فلسفته الوجودية. ولكن هذا التعليل ليس واقعيا ، لأن الملحوظ في المهر ـ غالبا ـ أن المرأة تستهلكه في بداية حياتها الزوجية لا في أثنائها من خلال حاجتها الطبيعية إلى الزينة إلى تأمين بعض شؤون بيتها ، لذا فهو لا يمثل وثيقة مستقبلية ، كما أنه لا يمنع الحاجة إليه بعد الطلاق حتى لو كان الطلاق بيد الزوجة أو بيدهما معا. وقد نجد من الضروري أن يتدخل العاملون للإسلام في الوقوف أمام التقاليد الجديدة التي تحاول رفع المهور كقيمة اجتماعية ، في بعض البلدان ، لأن ذلك يساهم في تأخير سن الزواج لدى بعض الفئات ، التي لا تملك إمكانيات مالية كافية بالمستوى المطلوب ، ليؤكدوا على العنصر الديني والأخلاقي الذي أكّد عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديثه المشهور : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه وإن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ...» (١) فهذا هو الخط الإسلامي في طبيعة العلاقة الزوجية ، بعيدا عن كل عنصر ماليّ أو نسبيّ أو اجتماعيّ أو غير ذلك.
وقد جاءت الآية لتؤكد للرجل أن يؤتي المرأة صداقها ـ وهو مهرها ـ ولا يستغل مركزه القوي في الأسرة ليمنعها منه ، لأن ذلك يمثل عدوانا على مال الآخرين بدون حق ؛ فإنه «لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلا من طيب نفس منه» (٢) ، من دون فرق بين أن يكون استحقاقه لهذا المال ناتجا عن قرض أو معاملة بيع أو شراء ، أو كان ناتجا عن التزام عقديّ كعقد الزّواج ، فإذا طابت
__________________
(١) البحار ، م : ٣١ ، ج : ٨٨ ، ص : ٦٠٤ ، باب : ١١٩ ، رواية : ١٨.
(٢) البحار ، م : ٢٦ ، ج : ٧٣ ، ص : ٧٧٩ ، باب : ٦٧ ، رواية : ١٣.