ماذا ينتظر المنافقون في يوم القيامة
وهذه جولة قرآنية حول المنافقين ، تحاصرهم بالتهديد بالمصير الأسود الذي ينتظرهم عند الله وتبيّن ملامحهم الحقيقية في مواقفهم الذاتية في أنفسهم وفي الآخرين ، ليكتشفهم الناس على حقيقتهم ؛ فلا يخفى عليهم شيء من أمرهم ، من خلال ما يتظاهرون به من خير وصلاح وإيمان ... وهذا ما بدأته الآية الأولى بالبشارة بالعذاب الأليم ؛ (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) وربما كان استخدام هذه الكلمة «البشارة» للإمعان بالسخرية بهم ، في ما كانوا يأملونه من نتائج ظواهر أعمالهم ، وما يواجههم من مصير يخالف ذلك كله. أما ملامحهم ، فقد يكون في مقدمتها موالاتهم وموادتهم القلبية والعملية للكافرين ، وابتعادهم عن المؤمنين ، في المشاعر والأفكار والمواقف ، فهم يألفون الكافرين ويرتاحون إليهم ويتعاونون معهم ، انطلاقا من وحدة الموقف ، (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) بينما لا يتحركون في مثل هذه الأجواء مع المؤمنين.
وهذه صفة أساسية في الحد الفاصل بين شخصية المؤمن وبين شخصية المنافق ، لأن قضية الإيمان ليست مجرد فكرة تطوف في الخيال ، كما تطوف كثير من الأفكار التجريدية التي لا تمس الحياة الشخصية للإنسان في قليل أو كثير ، بل هي فكرة للفكر وللشعور وللموقف ، حيث تحدد له علاقاته بالناس وبالأشياء وبالحياة ، من خلال الخط الذي ترسمه ، والجو الذي تخلقه ، والأهداف التي تحددها ... فإذا كنت مؤمنا ، فإن معنى ذلك ، هو أن تحول الإيمان إلى حركة للحياة في نفسك وفيمن حولك وما حولك ، فتخضع كل خطواتك وأعمالك وعلاقاتك لما يتصل به من قريب أو من بعيد ، فتوالي من يوالي الله ، وتعادي من يعادي الله ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للحركة إلى الأمام ، بينما يمثل العكس خطّا تراجيعا إلى الوراء ؛ فإذا واليت أعداء الله