وهو رسول العدالة المنفتحة على الحق لا على الشخص. هذا مع ملاحظة أن الخطاب موجّه للناس بشكل عام ، لا للنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. والله العالم.
* * *
كونوا قوّامين بالقسط
وتواصل الآيات القرآنية النداء تلو النداء للمؤمنين ، لتكون خطواتهم العملية في هدى الشخصية الإسلامية التي أرادها الله ، لتكون عنصرا قويا ثابتا لبناء الحياة على أساس العدل الذي هو الهدف الكبير للحياة في تطلعات الإسلام وأهدافه ؛ فلا بد للمؤمنين من تأكيد هذا الهدف في تكوينهم الذاتي ، ليكونوا الصورة الحقيقية للواقع العملي الذي يعملون من أجله. (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) والقسط هو العدل ، أن يكونوا قائمين به ؛ أن يجعلوا حياتهم قياما به من أجل أن يستوعب كل علاقاتها ومعاملاتها وأعمالها وأقوالها ، بحيث تتحول كل نشاطاتهم إلى حركة دائبة في هذا السبيل ، لا أن يكون ذلك جانبا محدودا من النشاطات. (شُهَداءَ لِلَّهِ) لا للعاطفة ولا للمزاج ؛ ولا للمصلحة ، أو للطمع ، وذلك بأن يواجه الواقع الموضوعي كما هو ، من خلال ما يراه وما يسمعه ، بعيدا عن أية مؤثرات أخرى ، على أساس أن دور الشهادة هو أن يكشف الحقيقة لتكون أساسا للعدل الذي هو ـ في محتواه ـ لله ، (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ، لأن الله أقرب إليه من نفسه ، فلا ينظر في شهادته مصلحة نفسه ورضاها ، بل مصلحة العدل الذي يلتقي به رضا الله. (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا قيمة للعلاقات الشخصية أمام علاقته بالله ، فإنها تنتهي عند حدود رضاه. وتلك هي قصة القيم الكبرى في الحياة ، فإنها تتقدم كل شيء مهما كانت عظمته ، لتكون الأشياء كلها في خدمتها من أجل أن تكون في خدمة الإنسان في دوره