الحقيقة أن يخاف الفقر على نفسه في أية حالة من الحالات؟ ثم كانت الدعوة إلى التقوى ومراقبة الله في كل الأمور ، والعمل بطاعته في ما يأمر به وما ينهى عنه ؛ هذه الدعوة التي وجهها الله إلى أهل الكتاب وإلى المسلمين وأراد منهم الالتزام بها في خط الإيمان ، وأطلق هذه الحقيقة ـ بعد ذلك ـ في مقام التحدي لمن أراد أن يكفر بالله ولا يراقبه ، بأن الله كان غنيا عنهم حميدا في كل أفعاله ، لأنهم جزء مما في السموات والأرض الذي هو ملك الله سبحانه ، ثم وجههم إلى أن يعملوا ليكونوا تحت رعايته التي هي سر وجودهم ووجود كل شيء في السموات والأرض ، مما يحتويه ملكه ، مما يتصرف به من دون أن تحتاج الموجودات معه إلى أيّ مخلوق ؛ (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) في القيام بأمور عباده وشؤونهم.
ويتعاظم التحدي والإيحاء بالقوة في مقابل الإيحاء بالضعف البشري للمخاطبين في قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً). قد يكون المراد من الإذهاب الموت والفناء ، كما ذكر البعض ، وقد يكون المراد منه تبديلهم بآخرين من الناس ممن يتقون ؛ وقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنها لما نزلت ، ضرب يده على ظهر سلمان وقال : إنهم قوم هذا (١) يعني عجم الفرس.
وتطوف الآية الأخيرة بالمشاعر العميقة للإنسان ، عند ما يقف وجها لوجه أمام قضية المصير ؛ فقد يفكر بثواب الدنيا ، باعتبار أن ذلك هو معنى مصيره في ما يتصور ، ثم يبدأ في الخضوع لهذا ولذلك من أجل الحصول عليه ، فيشرك بعبادة الله غيره ، ويبتعد عن الله سبحانه ، في الوقت الذي يريد الله منه أن يقف لحظة للتفكير ، ليفكّر بأن هؤلاء لا يملكون شيئا من ثواب الدنيا بعيدا عن ملك الله الذي يعطيهم إياه ، فلما ذا لا يقدر الله حق قدره ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٥ ، ص : ١٠٦.