جهة حالة الضعف التي تغري الناس بالاعتداء وبمنعهم من حقوقهم المفروضة لبعض الاعتبارات غير الإنسانية ... وعلى هذا ، فإن المراد مما جاء في قوله : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) هو ما تقدم الحديث عنه في أول هذه السورة في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ...) [النساء : ٣] ، وفي الآيات الأخرى المتعرضة لبعض ذلك ...
(فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) من فريضة الإرث ومن التصرف في مالهنّ ، فمنع الله من ذلك ، فلم يجعل لأحد أية سلطة عليهن من هذه الجهة ، كما جعل الحرية لهن في الزواج وفي الرفض ، بعيدا عن أي ضغط. وقد ذكر صاحب تفسير الميزان «أن المراد بقوله : (ما كُتِبَ لَهُنَ) هو الكتابة التكوينية وهو التقدير الإلهي ، فإن الصنع والإيجاد هو الذي يخدّ للإنسان سبيل الحياة ، فيعيّن له أن يتزوج إذا بلغ مبلغه ، وأن يتصرف حرّا في ما له من المال والقنية ، فمنعه من الازدواج والتصرف في نفسه منع له مما كتب الله له في خلقه هذه الخلقة» (١). ولكن ذلك غير ظاهر من الآية ، لا سيّما أن المسألة واردة في مقام بيان الجانب التشريعي من الموضوع الذي قد يكون قرينة على أن المراد من (ما كُتِبَ لَهُنَ) ، الكتابة التشريعية ، بمعنى الفرائض التي فرضها الله لهن ؛ والله العالم. (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ). ربما قدر بعض المفسرين ـ كما عن صاحب الميزان ـ كلمة (عن) ، بأن يكون المراد منها الرغبة عن نكاحهن والإعراض عنهن (٢) ؛ فإن التعرض لذكر الرغبة عنهن هو الأنسب للإشارة إلى حرمانهن على ما يدل عليه قوله قبله : (لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) وقوله : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) ... ولكننا نتحفظ في ذلك ، لأن من الممكن أن يكون المراد منها الرغبة في النكاح ، مع حرمانهن من حقهن من التصرف في مالهنّ الموروث أو التعسف في فرض الإرادة
__________________
(١) م. س ، ج : ٥ ، ص : ١٠٢.
(٢) انظر : م. ن ، ج : ٥ ، ص : ١٠٢.