تفصيل ما أجمله القرآن ، وإيضاح ما أبهمه ، وتخصيص ما أطلقه ، فقد أوكل الله إلى رسوله أمر ذلك كله ، كما أوكل إليه القيام بإدارة شؤون الرسالة وقيادة الأمة ، وذلك بما أوكله إليه من شؤون الحاكمية بالإضافة إلى الرسالة ، عند ما جعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، واعتبره حكما وحاكما في كل ما اختلفوا فيه ، لتسير الحياة على خطين : خط الرسالة ، وخط القيادة ؛ لتكتمل لها شروط الثبات والتقدم والنجاح. ولهذا كان التأكيد في أكثر من آية على إطاعة الرسول ، إلى جانب إطاعة الله ، لئلا يستقل الناس في قضايا التطبيق والتخطيط ، بعيدا عن القيادة الأولى الرسولية ، التي تعرف من عمق المفاهيم وامتدادها ، المدى الذي يمكن أن تتحرّك فيه وتصل إليه.
* * *
الرسول جامع لصفات الحاكم والداعي
وربما نستوحي بعض ملامح ذلك في قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥]. وهذا هو ما ينبغي لنا التعرف إليه من شخصية الرسول في الإسلام ، فنجد فيه صفة الرسول المبلّغ الداعية ، كما نجد فيه صفة القائد الحاكم المحارب ، الذي يخطّط وينفّذ ، ويمسك بيده زمام الأمر كله ، خلافا لبعض الباحثين الذين حاولوا اقتصار دور النبي على مهمّة التبليغ والدعوة ، وذلك على أساس بعض الآيات التي تشير إلى ذلك مثل قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ؛ [الغاشية : ٢١ ـ ٢٢]. ولكن غاب عن فكر هؤلاء أن مثل هذه الآيات كانت تتحدث عن الجانب الرسالي في شخصية ، لتحدّد له دوره في إثارة الإيمان في نفوس الناس من خلال الدعوة والإقناع ، لأنه لا يملك السيطرة على كل شروط