ضوء هذا ، كان من المفروض أن تكون علاقتهم بالمسلمين هي علاقة القريب الذي تلتقي مفاهيمهم بمفاهيمه ، ليقفوا معهم في معركتهم ضد المشركين ، باعتبار أنها معركة واحدة يقف فيها الكفر في جانب ، والإيمان في جانب آخر ؛ ولكن القضية كانت على خلاف ذلك ، فقد وقفوا ضد المسلمين مع خصومهم ، فتحالفوا معهم وانطلقوا يدبّرون المؤامرات المشتركة ضد الإسلام والمسلمين.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) عالج القرآن المسألة على أساس أن هؤلاء لا يؤمنون بالكتاب ، فقد تحول الكتاب عندهم إلى مجرد شعار يستغلونه لتضليل الناس ، وسلعة يتاجرون بها في أسواق الربح والخسارة ، فهم يؤمنون بالجبت الذي هو تعبير عن معبود غير الله ، والطاغوت الذي هو تعبير عن الطغيان في الحكم والنظام ، فهم يؤمنون بذلك ، في واقع الناس ، عند ما يتعاونون مع الطغيان والضلال ، وفي ممارساتهم الخاصة عند ما يمارسون الطغيان والإضلال في واقعهم الشخصي. ولهذا كان تاريخهم تاريخ الطغيان ، في الفكر والعلاقات والعمل ، عند ما كانوا يواجهون الرسالات بالجحود ، والرسل بالعدوان ، والحياة الباحثة عن السّلام بالحرب.
وهكذا امتد إيمانهم بالجبت والطاغوت في موقفهم الضال الجائر ، في الموازنة بين المسلمين وبين المشركين ، (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فقد كانوا يقولون عن المشركين الذين يعبدون الأصنام ولا يدينون بدين الحق ولا يؤمنون بالقيم الرسالية التي أنزلها الله على رسله : (هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) إنهم أهدى سبيلا من المؤمنين ؛ في الوقت الذي يقف فيه المؤمنون ، ليعلنوا الإيمان بالله وبرسله وكتبه ، ويصدقوا بالتوراة والإنجيل في كل شرائعهما ومفاهيمهما الأخلاقية والعملية. فكيف يمكن أن يصدر مثل هذا عن أناس يعيشون الكتاب فكرا وعقيدة وشريعة؟ إنه منطق الكفر الذي