يتخذ الإيمان بالكتاب ستارا يستتر وراءه ليخفي الحقد والشر والظلام ، إنه إطار سقطت صورته يحتضن كل صورة جديدة باسم الصورة الحقيقية ، من خلال أساليب الزيف والبهتان والضلال.
وقد نجد الكثير الكثير من هذه النماذج في الناس الذين يأخذون من المبادئ والأفكار والديانات الإطار الذي يمثل الانتماء إلى الشكل ويعزلون حياتهم عن المضمون ، كما هو واقع اليهود الذين يحملون في تحركهم السياسي شعار التوراة ، ولكنهم لا يؤمنون به جملة وتفصيلا ؛ وواقع بعض الاتجاهات المسيحية السياسية التي تحاول أن تنطلق من العاطفة المسيحية كشعار ، ولكنها لا تلتزم بالقيم المسيحية التي جاء بها الإنجيل في علاقاتها ومعاملاتها السياسية. وقد نجده في بعض الأوضاع السياسية الإسلامية التي تتستر بالإسلام ، ولكنها تخفي وراء ذلك مطامعها الشخصية والإقليمية والقومية. وعلى هذا الأساس نجد أنهم ينطلقون في مواقفهم وعلاقاتهم من مصالحهم ، لا من مبادئهم ؛ ولهذا فهم قد يفضلون مصالح الكافرين على مصالح المؤمنين ، تبعا لمصالحهم الذاتية الخاصة ، أو للعقد النفسية المريضة التي تواجه أيّ معنى من معاني الإيمان أو موقف من مواقف المؤمنين.
وقد وجه القرآن في هذه الآية المؤمنين إلى أن يرصدوا هذه النماذج بقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ ...) للإيحاء بأن القضية لا تحتاج إلّا إلى التطلّع إلى واقع هؤلاء ، ليعرفوا الحقيقة القرآنية من خلال ذلك ؛ كأسلوب من أساليب التربية الإسلامية التي تدفع الإنسان إلى أن يفهم الواقع ، من خلال النظرة الواعية المنفتحة على الناس والأشياء ، من منطلق النظرة الإسلامية إلى الحياة ؛ وبذلك تتحول الحياة لدى الإنسان المؤمن إلى ساحة للمعرفة الشاملة لكل ما هو حوله ومن حوله ، ليبتعد بذلك عن جو السذاجة ، فيتطلع إلى بواطن الأشياء كما يتطلع إلى ظواهرها.
ثم يتحدث القرآن ـ في الآية الثانية ـ عن الذين يعيشون الازدواجية