ونحن أميون لا نعلم ، فأيّنا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق ؛ أنحن أم محمد؟ فقال كعب : اعرضوا عليّ دينكم ، فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء ، ونسقيهم الماء ، ونقري الضيف ، ونفكُّ العاني ، ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا ، ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه ، وقطع الرحم ، وفارق الحرم ، وديننا القديم ودين محمد الحديث. فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) يعني كعبا وأصحابه ـ الآية (١).
ونلاحظ على هذه الرواية أن كعبا ـ وهو اليهودي المتعصب ـ يطرح على قريش أن ينطلق ثلاثون يهوديا وثلاثون قرشيّا فيلصقون أكبادهم بالكعبة ويعاهدون رب الكعبة على قتال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الوقت الذي نعرف فيه أن اليهود لا يعترفون بالكعبة ولا يقدسونها ؛ الأمر الذي لا ينسجم مع الخط اليهودي الذي لا يساومون عليه في العادة ، ولو في الشكل ، لأنه يخلق لهم مشكلة كبيرة في مجتمعهم. هذا مع اختلاف الروايتين في بداية الحادثة.
* * *
اليهود يفضلون المشركين على المسلمين
وهذا لون جديد من ألوان انحراف هؤلاء الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ؛ فإذا كانوا يؤمنون بالكتاب حقا ، فينبغي لهم أن يتوازنوا في علاقاتهم على أساس قرب الناس من خط الإيمان وبعدهم عنه ، لتكون المفاهيم الكتابية هي القاعدة التي ينطلقون منها في تأييد من يؤيّدون ، ورفض من يرفضون ، لأن صاحب العقيدة والإيمان يعمل على أساس تأكيد إيمانه في الحياة ، من خلال الالتقاء ـ ولو في خط الوسط ـ بالذين ينسجمون مع مفاهيمه بعض الانسجام ، في مقابل الذين يبتعدون عنها كل البعد. وعلى
__________________
(١) أسباب النزول ، ص : ٨٦ ـ ٨٧.