يفسده ، وذلك في القوانين الحكيمة في تنظيم موضوع الإرث على سبيل الفرض اللازم اتباعه ومراعاته في الواقع العملي ، لأن مصدره هو الله الذي يعرف عمق الأشياء في حركة الإنسان في نفسه ، ومع الآخرين ، وهو الذي ينبغي تسليم الأمر إليه في الشريعة ، لأن الإنسان لا ينظر ، في ما يعطي وما يمنع ، إلا إلى ظواهر الأشياء ، مما يخضع له مزاجه أو تتأثر به عواطفه. وهذا ما نلاحظه في ما يقوم به بعض الناس من حرمان البنت من الميراث بطريقة شرعية في صورتها وشكلها ، ولكنها بعيدة عن الإسلام في روحها ومعناها ؛ وذلك بأن يملّك الوارث الذكور كل ماله في حياته ليموت بلا تركة ، فيلغي بذلك إرث البنت بشكل طبيعي. وليس ذلك إلا ملاحظة للعقلية الباقية من رواسب الجاهلية في بقاء الإرث في الفئة التي تحفظ اسم العائلة ، وهي فئة الأولاد الذكور ؛ أما البنت ، فإنها لا تقوم بهذا الدور ، لأن أولادها هم عائلة الزوج الذي قد يكون من غير عائلتها ؛ كما قال الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد |
وهذا المفهوم بعيد كل البعد عن روح الإسلام الذي اعتبر البنت كالولد ، في الأساس الذي يقوم عليه الإرث ، وهو صلة القرابة والرحم ، بعيدا عن كل عنوان آخر مما يتسمّى به الناس من أسماء عائليّة. وعلى هذا الأساس ، كان المبدأ الأخلاقي الإسلامي يتسع لكل العلاقات الرحمية من جهة الأم أو من جهة الأب ، لأن الإسلام لا يجد فرقا بينهما في ما تحققه العلاقة من معنى. وينبغي للإنسان المسلّم أن يصوغ تفكيره صياغة إسلامية على هدى المفاهيم الإسلامية العامة المتحركة مع مفردات التشريع ، لتكون روحيته منطلقة من روحية الإسلام ، كما يكون إطاره العملي منطلقا من الإطار الإسلامي للعمل.