فصل :
في كيفية الوقوف
على إعجاز القرآن
قد بينا أنه لا
يتهيأ لمن كان لسانه غير العربية ، من العجم والترك وغيرهم ، أن يعرفوا إعجاز
القرآن إلا أن يعلموا أن العرب قد عجزوا عن ذلك. فإذا عرفوا هذا بأن علموا أنهم قد
تحدّوا على أن يأتوا بمثله ، وقرّعوا على ترك الإتيان بمثله ، ولم يأتوا به ،
تبينوا أنهم عاجزون عنه. وإذا عجز أهل ذلك اللسان ، فهم عنه أعجز.
وكذلك نقول إن من
كان أهل اللسان العربي إلّا أنه ليس يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة
أساليب الكلام ، ووجوه تصرّف اللغة ، وما يعدّونه فصيحا بليغا بارعا من غيره ، فهو
كالأعجمي ، في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن ، إلا بمثل ما بينا أن يعرف به
الفارسي الذي بدأنا بذكره ، وهو ومن ليس من أهل اللسان سواء.
فأما من كان قد
تناهى في معرفة اللسان العربي ، ووقف على طرقها ومذاهبها ، فهو يعرف القدر الذي
ينتهي إليه وسع المتكلم من الفصاحة ، ويعرف ما يخرج عن الوسع ، ويتجاوز حدود
القدرة ، فليس يخفى عليه إعجاز القرآن ، كما يميز بين جنس الخطب والرسائل والشعر ،
وكما يميز بين الشعر الجيد والرديء ، والفصيح والبديع ، والنادر والبارع والغريب.
وهذا كما يميز أهل
كل صناعة صنعتهم ، فيعرف الصّيرفيّ من النقد ما يخفى على غيره ، ويعرف البزاز من
قيمة الثوب وجودته ورداءته ما يخفى على غيره ، وإن كان يبقى مع معرفة هذا الشأن
أمر آخر. وربما اختلفوا فيه ؛ لأن من أهل الصنعة من يختار الكلام المتين والقول
الرصين.
ومنهم من يختار
الكلام الذي يروق ماؤه ، وتروع بهجته ورواؤه ، ويسلس مأخذه ، ويسلم وجهه ومنفذه ،
ويكون قريب المتناول ، غير عويص اللفظ ولا غامض المعنى. كما يختار قوم ما يغمض
معناه ويغرب لفظه ، ولا يختار ما سهل على اللسان وسبق إلى البيان.
وروي أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وصف زهيرا فقال : «كان لا يمدح الرجل