إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

إعجاز القرآن

إعجاز القرآن

83/191
*

إلا بما فيه» وقال لعبد بني الحسحاس حين أنشده :

«كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا» أما إنه لو قلت مثل هذا لأجزتك عليه.

وروي أن جريرا سأل عن أحسن الشعر ، فقال قوله :

إن الشقي الذي في النار منزله

والفوز فوز الذي ينجو من النار

كأنه فضله لصدق معناه. ومنهم من يختار الغلو في قول الشعر والإفراط فيه حتى ربما قالوا «أحسن الشعر أكذبه» كقول النابغة :

يقدّ السلوقيّ المضاعف نسجه

ويوقدن بالصّفاح نار الحباحب

وأكثرهم على مدح المتوسط بين المذهبين في الغلو والاقتصاد ، وفي المتانة والسلامة ، ومنهم من رأى أن أحسن الشعر ما كان أكثر صنعة ، وألطف تعملا ، وأن يتخير الألفاظ الرشيقة للمعاني البديعة والقوافي الواقعة ، كمذهب البحتري ، وعلى ما وصفه عن بعض الكتاب :

في نظام من البلاغة ما شك

ك امرؤ أنه نظام فريد

وبديع كأنه الزهر الضا

حك في رونق الربيع الجديد

حزن مستعمل الكلام اختيارا

وتجنبن ظلمة التعقيد

وركبن اللفظ القريب فأدركن

به غاية المراد البعيد

ويرون أن من تعدى هذا كان سالكا مسلكا عاميا ولم يروه شاعرا ولا مصيبا. وفيما كتب الحسن بن عبد الله أبو أحمد العسكري قال : أخبرني محمد بن يحيى ، قال : أخبرني عبد الله بن الحسن ، قال : قال لي البحتري : دعاني علي بن الجهم فمضيت إليه ، فأفضنا في أشعار المحدثين إلى أن ذكرنا شعر أشجع ، فقال لي : إنه يخلي ، وأعادها مرات ، ولم أفهمها ؛ وأنفت أن أسأله عن معناها ، فلما انصرفت فكرت في الكلمة ، ونظرت في شعره ، فإذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولة ليس فيها بيت رائع ؛ وإذا هو يريد هذا بعينه ، أن يعمل الأبيات ، فلا يصيب فيها ببيت نادر ، كما أن الرامي إذا رمى برشقة فلم يصب بشيء قيل قد أخلى. قال : وكان علي بن الجهم أحسن الناس علما بالشعر.

وقوم من أهل اللغة يميلون إلى الرصين من الكلام ، الذي يجمع الغريب والمعاني ، مثل أبي عمرو بن العلاء ، وخلف الأحمر ، والأصمعي. ومنهم من يختار الوحشي من الشعر ، كما اختار المفضل للمنصور من المفضليات. وقيل : إنه اختار ذلك لميله إلى ذلك الفن.