هذا في باب صقاله ، وأضوائه وكثرة مائه ، وكقوله :
ريان لو قذف الذي أسقيته |
|
لجرى من المهجات بحر مزبد |
وقوله : «مصغ إلى حكم الردى إن تأملته» مقلوب كان ينبغي أن يقول يصغي الردى إلى حكمه كما قال الآخر : «فالسيف يأمر والأقدار تنتظر». وقوله : «وإذا قضى لم يعدل» متكرر على ألسنتهم في الشعر خاصة في نفس هذا المعنى. والبيت الثالث سليم ، وهو كالأولين في خلوه عن البديع ، فأما قوله :
فإذا أصاب فكلّ شيء مقتل |
|
وإذا أصيب فما له من مقتل |
وكأنما سود النمال وحمرها |
|
دبّت بأيد في قراه وأرجل |
البيت الأول يقصد به صنيعة اللفظ ، وهو في المعنى متفاوت ، لأن المضرب قد لا يكون مقتلا. وقد يطلق الشعراء ذلك ، ويرون أن هذا أبدع من قول المتنبي ، وإنه بضده :
يقتل السيف في جشم القتيل به |
|
وللسّيوف كما للنّاس آجال |
وهذه طريقة لهم يتمدحون بها في قصف الرمح طعنا ، وتقطيع السيف ضربا ، وفي قوله : «وإذا أصيب فما له من مقتل» ، تعسف لأنه يريد بذلك أنه لا يتكسر. فالتعبير بما عبر به عن المعنى الذي ذكرناه يتضمن ضربا من التكلف ، وضربا من المحال. وليس بالنادر ، والذي عليه الجملة ما حكيناه عن غيره ونحوه. قال بعض أهل الزمان :
يقصّف في الفارس السّمهريّ |
|
وصدر الحسام فريقا فريقا |
البيت الثاني أيضا : هو معنى مكرر على ألسنة الشعراء ، وأما تصنيعه بسود النمال وحمرها ، فليس بشيء ؛ ولعله أراد بالحمر الذّرّ. والتفصيل بارد! والإعراب به منكر! وهو كما حكى عن بعضهم أنه قال : كان كذا حين كانت الثريا بحذاء رأسي على سواء ، أو منحرفا قدر شبر أو نصف شبر ، أو إصبع أو ما يقارب ذلك. فقيل له : هذا من الورع الذي يبغضه الله ، ويمقته الناس ، ورب زيادة كانت نقصانا. وصفه النمل بالسواد والحمرة في هذا من ذلك الجنس ، وعليه خرج بقية البيت في قوله : «دبّت بأيد في قراه وأرجل».
وكان يكفي ذكره الأرجل عن ذكر الأيدي ، ووصف الفرند بمدبّ النمل شيء لا يشذّ عن أحد منهم ، وأما قوله :
وكأن شاهره إذا استضوي به الزّ |
|
حفان يعصى بالسّماك الأعزل |
حملت حمائله القديمة بقلة |
|
من عهد عاد غضّة لم تذبل |
البيت الأول منهما فيه ضرب من التكلف ، وهو منقول من أشعارهم وألفاظهم ، وإنما