والجود يعذله عليه حاتم |
|
سرفا ولا جود لمن لم يعذل |
البيت الأول منقطع عما قبله ، على ما وصفنا به شعره : من قطعه المعاني ، وفصله بينها ، وقلة تأنيه لتجويد الخروج والوصل. وذلك نقصان في الصناعة ، وتخلف في البراعة ، وهذا إذا وقع في مواضع قليلة عذر فيها. وأما إذا كان بناء الغالب من كلامه على هذا فلا عذر له.
وأما المعنى الذي ذكره فليس بشيء مما سبق إليه. وهو شيء مشترك فيه. وقد قالوا في نحوه وإن مجده سماء المساء ، وقالوا في نحوه الكثير الذي يصعب نقل جميعه ، وكما قال المتنبي :
وعزمة بعثتها همّة زحل |
|
من تحتها بمكان الترب من زحل |
وحدثني إسماعيل بن عباد أنه رأى أبا الفضل بن العميد قام لرجل قال لمن حضره : أتدري من هذا؟ هو الذي قال فيه أبيه البحتري :
«لمحمد بن القاسم الشرف الذي».
فذلك يدل على استعظامه للميت بما مدح به من البيت.
والبيت الثاني في تشبيه جوده بالسحاب قريب. وهو حديث مكرر ليس ينفك مديح شاعر منه. وكان من سبيله أن يبدع فيه زيادة إبداع كما قد يقع لهم في نحو هذا. ولكنه لم يتصنع له وأرسله إرسالا.
وقد وقع في المصراع الثاني ضرب من الخلل ، وذلك أن المزن إنما يبخل إذا منع نيله. فذلك موجود في كل نيل ممنوع ، وكلاهما محمود مع الإسعاف. فإن أسعف أحدهما ومنع الآخر لم يمكن التشبيه. وإن كان إنما شبه غالب أحدهما بالآخر. وذكر قصور أحدهما عن صاحبه ، حتى أنه قد يبخل في وقت والآخر لا يبخل بحال ، فهذا جيد وليس في حمل الألفاظ على الإشارة إلى هذا شيء.
والبيت الثالث : وإن كان معناه مكررا فلفظه مضطرب بالتأخير والتقديم. يشبه ألفاظ المبتدئين وأما قوله :
فضل وإفضال وما أخذ المدى |
|
بعد المدى كالفاضل المتفضّل |
سار إذا ادّلج العفاة إلى الندى |
|
لا يصنع المعروف غير معجّل |
فالبيت الأول منقطع عما قبله ، وليس فيه شيء غير التجنيس ، الذي ليس ببديع لتكرره على كل لسان. وقوله : ما أخذ المدى فإنه لفظ مليح وهو كقول القائل :
«قد أركب الآلة بعد الآلة» ، وروي : «الحالة بعد الحالة».