وكقول الطرماح (١) :
سوف تدنيك من لميس سبنتا |
|
ة أمارت بالبول ماء الكراض |
السبنتاة : الناقة الصلبة. والكراض : ماء الفحل. أسالت ماء الفحل مع البول فلم تعقد عليه ، ولم تحمل فتضعف. والمائر : السائل.
فإن قال قائل : أجدك تحاملت على امرئ القيس ، ورأيت أن شعره يتفاوت بين اللين والشراسة ، وبين اللطف والشكاسة ، وبين التوحش والاستئناس ، والتقارب والتباعد.
ورأيت الكلام الأعدل أفضل ، والنظام المستوثق أكمل ، وأنت تجد البحتري (٢) يسبق في هذا الميدان ، ويفوت الغاية في هذا الشأن. وأنت ترى الكتاب يفضلون كلامه على كل كلام ، ويقدمون رأيه في البلاغة على كل رأي.
وكذلك تجد لأبي نواس من بهجة اللفظ ، ودقيق المعنى ما يتحير فيه أهل اللفظ ، ويقدمه الشطار والظرف على كل شاعر ، ويرون لنظمه روعة لا يرون لنظم غيره ، وزبرجا لا يتّفق لسواه. فكيف يعرف فضل ما سواه عليه؟
فالجواب أن الكلام في أن الشعر لا يجوز أن يوازن به القرآن وقد تقدم. وإذ كنا قد بينا أن شعر امرئ القيس وهو كبيرهم الذي يقرون بتقدمه ، وشيخهم الذي يعترفون بفضله ، وقائدهم الذي يأتمون به ، وإمامهم الذي يرجعون إليه. كيف سبيله؟ وكيف طريق منزلته عن منزلة نظم القرآن؟ وإنه لا يخلط بشعره غبار ذلك النظم. وهو إذا لحظ ذلك كان كما قال :
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر |
|
مع الصبح في إعجاز نجم مغرّب |
وكما قال أيضا :
راحت مشرقة ورحت مغرّبا |
|
فمتى التقاء مشرق ومغرّب |
وإذا كنا قد أبّنّا في القاعدة ما علمت ، وفصلنا لك في شعره ما عرفت ، لم نحتج إلى أن نتكلم على شعر شاعر ، وكلام كل بليغ. والقليل يدل على الكثير.
وقد بيّنا في الجملة مباينة أسلوب نظم القرآن جميع الأساليب ، ومزيته عليها في النظم والترتيب ، وتقدمه عليها في كل حكمة وبراعة. ثم تكلمنا على التفصيل على ما شهدت ، ولا يبقى علينا بعد ذلك سؤال.
__________________
(١) الطرماح هو : ابن حكيم من طي ، كان من فحول الشعراء الإسلاميين وفصحائهم ، نشأ في الشام ، وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك ، واعتقد مذهب الشراة والأزارقة. مات سنة (١٠٠ ه). له ترجمة في :
خزانة الأدب ٣ / ٤١٨. والأغاني ١٠ / ١٥٦ ، والجمهرة (١٩٠).
(٢) سبقت ترجمته.