الحقيقي ، لإفساح المجال لفتنة المسلمين عن دينهم باسم الدين. ولذلك كانوا يتبعون المتشابه ، لا اتّباع العمل والهدى ، بل اتباع الفرصة السانحة لتنفيذ المخطط الضال ، لأنه هو الذي يمكنهم من الفتنة بما يفتحه أمامهم من مجالات التفسير الذي لا تسمح به الآيات المحكمة لما تشتمل عليه من الوضوح.
ولعلّ ما تقدّم من ذكر أسباب النزول ، بمناسبة الكلام على الآيات ١ ـ ٦ ، يوضح الصورة ، فقد نستوحي من القصة ، أن هؤلاء كانوا يحاولون أن يختاروا من آيات القرآن ، الآيات التي تتحدث عن عيسى بأنه روح الله ، وبأنه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم ، ونحو ذلك ، مما يمكن أن يترك لهم مجالا بأن يلبسوا الأمر على البسطاء في ما تعنيه هذه الكلمات من وجود جزء من الألوهية في ذاته أو ما أشبه هذا من التأويلات والتعليلات. وهذا هو شأن كل صاحب فكرة أو عقيدة ، فإنه يحاول أن يجر الآخرين إليه من خلال الاستفادة من بعض الكلمات التي تسمح بالتفسير الفضفاض الذي يقف الإنسان معه عند حدّ معيّن واضح ، لتضليلهم عن الحق ، باسم آيات الحق. وهذا هو الذي أوجب الاختلاف في المذاهب الإسلامية في الجبر والتفويض والتجسيم
ورؤية الله وغيرها من المفاهيم التي وقعت مجالا للنزاع بين المسلمين ، فحاول كل فريق أن يستفيد من بعض الآيات القرآنية التي قد تفسر على هذا النحو أو ذاك في ما يلائم اللفظ من تفسير. وهذا ما عبر عنه الإمام علي عليهالسلام في بعض كلامه : «لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمّال ذو وجوه» (١).
__________________
(١) ابن أبي طالب ، علي ، نهج البلاغة ، ضبط نصه د. صبحي الصالح ، دار الكتاب اللبناني. ط : ٢ ، ١٩٨٢ م ، ص : ٣٥٠ ، الكتاب : ٧٧.