لاستحالة ذلك منه ، لعلوّه عن كل الحوادث وعن كل صفات المخلوقين.
إن هذا الإحساس السلبي ينطلق بنا من رد الفعل عن الضرر الواقع من المعتدي ، ولكن انتقامه يتمثل ـ في الجانب العملي ـ في مجازاة المسيء بإساءته من خلال الحكمة في ذلك ، لأن ساحته أعز وأعلى من أن ينتفع أو يتضرر بشيء من أعمال عباده.
(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) فهو المطّلع على كل عباده في سرّهم وعلانيتهم ، في كفرهم وإيمانهم ، في طاعتهم ومعصيتهم ، كما هو مطّلع على كل شيء في الكون في الأرض وفي السماء ، فلا بد للناس من أن يراقبوه في كل ما يعملون ، وفي ما يسرّون وما يعلنون ، وأن يحسبوا حساب عذابه في ذلك كله. (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) فهو الذي يبدع وجودكم بكل خصائصه ويمنحكم الصورة التي يشاؤها بحكمته ، وأنتم أجنّة في بطون أمهاتكم ، من ذكورية وأنوثية ، وجمال وقبح ، وطول أو قصر ، أو ذكاء وبلادة ، أو حدّة أو برودة ، في صورة مادية أو معنوية (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الخالق البارئ المبدع المصوّر ، فلا يشاركه في خلقه أحد ، ولا يساعده في إبداع الصورة غيره (الْعَزِيزُ) في سلطانه (الْحَكِيمُ) في أفعاله ، فلا يصدر منه إلا ما كان في عمق الحكمة التي تضع الأمور في مواضعها وتبدع الأشياء بأسرارها.
وهكذا تنطلق الوحدانية الإلهية في وعي وجدان الإنسان لينفتح على الله وحده في كل أموره ، وليراقبه في كل حركاته وسكناته ، وليشكره على جميع نعمه في وجوده ، فليست هناك نعمة إلا منه ، فهو الأول والآخر في كل وجود الإنسان أولا وأخيرا.
* * *