والعملية والروحية التي أثارتها سورة البقرة في آياتها العقيدية والقصصية والتشريعية والإيمانية ، في هدفها الكبير من صنع الشخصية المسلمة المؤمنة على أساس هذه الصورة ، وبذلك يلتقي آخر السورة بأوّلها في الحديث عن المؤمنين في صفاتهم وتطلعاتهم وأعمالهم ، وفي الإيحاء بأن الحديث عن الإيمان والمؤمنين ليس مجرّد حديث يعيش في الخيال الروحي والفكري ، بل هو حديث عن حقيقة حيّة تحركت مفاهيمها في الواقع ، فاستطاعت أن تجسد الصورة في الفرد وفي المجتمع ، في النموذج الأمثل الأعلى المتمثل بالرسول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي النماذج المتنوعة الجيّدة المتجسدة في شخصيات المؤمنين الذين رافقوا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الذين جاؤوا من بعده. وربما كان في الحديث عن الموضوع ، كواقع حيّ متحرك ، إيحاء للعاملين بالتحرّك في دعوتهم إلى الله على الأساس الواقعي الذي يحوّل المفاهيم إلى مواقف ونماذج وأوضاع حيّة ، ولا يتركها مجرد مفاهيم تتحرك فيها الكلمات وتلتهب من خلالها المشاعر ، فإن قيمة الدعوة تتمثل بمقدار ما تتجسد في الحياة عقيدة وشعورا وخططا عملية لهذه الحياة.
* * *