تقودها إليها. وهكذا يواجه المؤمنون المشكلة في حجم العواقب الخطيرة ، فيلجئون إلى الله في ابتهال وخشوع ودعاء (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) من خلال أجواء اللامبالاة التي تمنعنا من الاهتمام بأوامرك ونواهيك وتسلمنا إلى السلوك العبثي الذي لا يخاف عقابا ولا يرجو ثوابا ولا يحمل همّ المستقبل الذي يقبل عليه ، فتوقعنا في الغفلة التي تنسينا ذكرك وتبعدنا عن وعي مقامك ، وفي الخطأ الذي نتخبط في وحوله ، وفي دروب الانحراف التي تضلّنا عن سبيل هداك.
(رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) ثقلا من التكاليف القاسية (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) من الأمم الماضية والقرون الخالية ، لأنهم كانوا إذا ارتكبوا خطيئة عجلت عليهم عقوبتها وحرم عليهم بسببها ما أحلّ لهم من الطعام ، كما قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠] ، (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من التكاليف التي تمثل العقوبة على ما فعلناه من المعاصي كقتل النفس عند التوبة. الظاهر أن المراد مما لا طاقة لنا به هو الأمر الذي يصعب احتماله لأنه يكلف صاحبه جهدا عظيما ، حتى يقول ـ في معرض التعبير عن ثقله الشديد عليه ـ إنه قد حمّل ما لا يطيق ، وليس المقصود به ـ على الظاهر ـ ما لا يقدر عليه ، لأنه لا يقبل التكليف مطلقا (وَاعْفُ عَنَّا) ذنوبنا (وَاغْفِرْ لَنا) خطايانا (وَارْحَمْنا) برحمتك الواسعة التي لا تضيق عن أحد ، بالنعم التي تغدقها علينا ، والرضوان الذي تمنحنا إياه (أَنْتَ مَوْلانا) وولينا الذي نعيش في رعاية ولايته التي كانت أساس وجودنا وحياتنا وناصرنا في كل أمورنا (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) بالقهر والغلبة بالحجة والفتح المبين.
* * *