رقابة الله المطلقة ومسئولية الإنسان
في هذه الآية إيحاء للإنسان بالتطلع الدائم إلى ما يشتمل عليه الكون من قوى كونية تفرض على القلب سيطرتها ، أو في ما يتمثل فيه من ظواهر طبيعية تأخذ بالنفس والفكر في ما يشبه الرهبة والدهشة ، أو ما تتحرك فيه من طاقات متنوعة تثير في روحه الكثير الكثير من المشاعر والأحاسيس التي تربطه بالأشياء ، الأمر الذي يوحي له بالخضوع والعبادة.
إن هذه الآية وأمثالها ، توحي للإنسان بدراسة القدرة الخلاقة التي تكمن خلف كل هذه القوى والظواهر ، ليعرف بأن الله هو الذي يملك ما في السموات وما في الأرض من هذا كله ، لأنه هو الذي أبدعها وخلقها ، الأمر الذي يجعل كل مشاعر الدهشة والتعظيم والتقديس والضالة ، موجهة إلى الله سبحانه في ذلك كله ، فيشعر الإنسان أمامها بالحرية والثقة الكبيرة ، لأنه يقف أمامها على قدم المساواة في عبوديته لله ، بل ربما يشعر بالتفوّق عليها من خلال الفكرة الدينية التي تقول له بأنها مسخرة له في حياته.
ولكن هذا الإيحاء لا يتجمد أمام هذه المشاعر ، بل ينطلق ليجعل الإنسان وجها لوجه أمام حركة المسؤولية في حياته الداخلية والخارجية ، باعتباره قوة من قوى الكون العاقلة المسؤولة التي يريدها الله أن تدخل في النظام الكوني الشامل على أساس الإرادة والاختيار المرتبط بعبودية الإنسان لله ، فيمتد ذلك في إحساسه بالرقابة الدقيقة لخلفيات الأعمال في داخل النفس ، فلا يكتفي بالنظر إلى ظواهرها. وينطلق الحساب في هذا الاتجاه ، مما يجعل الإنسان منضبطا أمام تكاليفه الشرعية في أعماله التي يتحمل مسئوليتها أمام الله إذا عصى وتمرّد ، فله تعالى الحكم الأول والأخير ، فيغفر