وجود الاختلاف لم ينجرّ أمر الجماعة إلى الاقتتال ، فعلّة الاقتتال الاختلاف الحاصل بينهم ، ولو شاء الله لم يوجد اختلاف فلم يكن اقتتال رأسا ، ولو شاء لأعقم هذا السبب بعد وجوده ، لكن الله سبحانه يفعل ما يريد ، قد أراد جري الأمور على سنّة الأسباب ، فوجد الاختلاف ، فوجد القتال فهذا إجمال ما تفيده الآية.
ويقول في سياق الحديث : وعلى هذا ، فصدر الآية لبيان أن مقام الرسالة على اشتراكه بين الرسل عليهمالسلام ، مقام تنمو فيه الخيرات والبركات وينبع منه الكمال والسعادة ودرجات القربى والزلفى ، كالتكليم الإلهي ، وإيتاء البينات ، والتأييد بروح القدس ، وهذا المقام على ما فيه من الخير والكمال لم يوجب ارتفاع القتال لاستناده إلى اختلاف الناس أنفسهم (١).
وهو توجيه متين ، ولكن قد نستوحي من الآيات أن الله قد أرسل الرسل ليبلغوا الناس رسالات الله ، التي ترجع ـ في عمق مضمونها ـ إلى رسالة واحدة وهي الإسلام لله ، فلم تختلف رسالاتهم مع اختلاف خصائصهم التي يفضل بعضهم على بعض بها ، سواء كانت متصلة بالذات في عناصرها المميزة أو بالدور ، أو بالمعجزة ، أو بالصلة المباشرة بالله أو نحلة الله له ، أو بشمولية الرسالة وخاتميتها ، ليكون الرسول خاتم النبيين الذي يجمع الكتاب كله والرسالة كلها في رسالته ، فقد كانوا موحدين يصدق بعضهم بعضا ويبشر بعضهم ببعض ، لأنهم انطلقوا من الروحية النقية الصافية المنفتحة على الله وعلى كل سننه ، ومن إدراك الحاجة الإنسانية لكل رسالاتهم من خلال ارتباط مسيرة الإنسان بعضها ببعض ، فإن لكل مرحلة حاجاتها وقضاياها وتحدياتها ، الأمر الذي يفرض التكامل والتواصل ، لتستقيم الحياة كلها في
__________________
(١) الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ط : ١ ، ١٤١١ ه ، ١٩٩١ م ، ج : ٢ ، ص : ٣١٣ ـ ٣١٤.