(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (١٦)
____________________________________
إرسال الرسل لا إنزال الملائكة كما قيل فإنه عار عن إفادة ما أرادوه من نفى رسالة البشر وقد مر* فيما سلف (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أى لأرسلهم لكن لما كان إرسالهم بطريق الإنزال قيل لأنزل (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أى على زعمكم وفيه ضرب تهكم بهم (كافِرُونَ) لما أنكم بشر مثلنا من غير فضل لكم علينا روى أن أبا جهل قال فى ملأ من قريش قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره فقال عتبة بن ربيعة والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى على فأتاه فقال أنت يا محمد خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فبم تشتم آلهتنا وتضللنا فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسا وإن تك بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن أى بنات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغنى ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ساكت فلما فرغ عتبة قال صلىاللهعليهوسلم بسم الله الرحمن الرحيم حم إلى قوله تعالى (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فأمسك عتبة على فيه صلىاللهعليهوسلم وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فلما احتبس عنهم قالوا ما نرى عتبة إلا قد صبأ فانطلقوا إليه وقالوا يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت فغضب ثم قال والله لقد كلمته فأجابنى بشىء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ولما بلغ صاعقة عاد وثمود أمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) شروع فى حكاية ما يخص بكل واحدة من الطائفتين من الجناية والعذاب إثر حكاية ما يعم الكل من الكفر المطلق أى فتعظموا فيها على أهلها أو استعلوا فيها واستولوا على أهلها (بِغَيْرِ الْحَقِّ) أى بغير* استحقاق للتعظم والولاية (وَقالُوا) مدلين بشدتهم وقوتهم (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) حيث كانوا ذوى أجسام طوال وخلق عظيم وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من جبل فيقتلعها بيده* (أَوَلَمْ يَرَوْا) أى أغفلوا أو ألم ينظروا ولم يعلموا علما جليا شبيها بالمشاهدة والعيان (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أى قدرة فإنه تعالى قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى قوى على ما لا يقدر عليه غير مفيض للقوى والقدر على كل قوى وقادر وإنما أورد فى حيز الصلة خلقهم دون خلق* السموات والأرض لا دعائهم الشدة فى القوة وفيه ضرب من التهكم بهم (وَكانُوا بِآياتِنا) المنزلة على الرسل (يَجْحَدُونَ) أى ينكرونها وهم يعرفون حقيتها وهو عطف على (فَاسْتَكْبَرُوا) كقوله تعالى (وَقالُوا) وما بينهما اعتراض للرد على كلمتهم الشنعاء (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أى باردة تهلك وتحرق بشدة