والنيرات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى كما قاله قتادة والسدى فالوحى عبارة عن التكوين كالأمر مقيد بما قيد به المعطوف عليه من الوقت أو أوحى إلى أهل كل منها أو امره وكلفهم ما يليق بهم من التكاليف فهو بمعناه ومطلق عن القيد المذكور وأيا ما كان فعلى ما قرر من التفصيل لا دلالة فى الآية الكريمة على الترتيب بين إيجاد الأرض وإيجاد السماء وإنما الترتيب بين التقدير والإيجاد وأما على تقدير كون الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة فهى وما فى سورة البقرة من قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) تدلان على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وعليه إطباق أكثر أهل التفسير وقد روى أن العرش العظيم كان قبل خلق السموات والأرض على الماء ثم إنه تعالى أحدث فى الماء اضطرابا فأزبد فارتفع منه دخان فأما الزبد فبقى على وجه الماء فخلق فيه اليبوسة فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها أرضين وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات وروى أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين ودحاها وخلق ما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وخلق السموات وما فيهن يوم الخميس ويوم الجمعة وخلق آدم عليهالسلام فى آخر ساعة منه وهى الساعة التى تقوم فيها القيامة وقيل إن خلق جرم الأرض مقدم على خلق السموات لكن دحوها وخلق ما فيها مؤخر عنه لقوله تعالى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ولما روى عن الحسن رحمهالله من أنه تعالى خلق الأرض فى موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليه دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر فى موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) الآية وليس المراد بنظمها مع السماء فى سلك الأمر بالإتيان إنشاءها وإحداثها بل إنشاء دحوها وجعلها على وجه خاص يليق بها من شكل معين ووصف مخصوص كأنه قيل ائتيا على ما ينبغى أن تأتيا عليه ائتى يا أرض مدحوة قرارا ومهادا لأهلك وائتى يا سماء مقبية سقفا لهم ومعنى الإتيان الحصول على ذلك الوجه كما تنبىء عنه قراءة آتيا وآتينا من المواتاة وهى الموافقة وأنت خبير بأن المذكور قبل الأمر بالإتيان ليس مجرد خلق جرم الأرض حتى يتأتى ما ذكر بل خلق ما فيها أيضا من الأمور المتأخرة عن دحوها قطعا فالأظهر أن يسلك مسلك الأولين ويحمل الأمر بالإتيان على تكوينهما متوافقتين على الوجه المذكور وليس من ضرورته أن يكون دحوها مترتبا على ذلك التكوين وإنما اللازم ترتب حصول التوافق عليه ولا ريب فى أن تكوين السماء على الوجه اللائق بها كاف فى حصوله ولا يقدح فى ذلك تكوين الأرض على الوجه المذكور قبل ذلك وأن يجعل الأرض فى قوله تعالى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) منصوبا بمضمر قد حذف على شرطية التفسير ويجعل ذلك إشارة إلى ذكر ما ذكر من بناء السماء ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا إلى أنفسها وتحمل البعدية إما على أنه قاصر عن الأول فى الدلالة على القدرة القاهرة كما قيل وإما على أنه أدخل فى الإلزام لما أن المنافع المنوطة بما فى الأرض أكثر وتعلق مصالح الناس بذلك أظهر وإحاطتهم بتفاصيلها أكمل وليس ما روى عن الحسن