(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١٢)
____________________________________
(فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) متعلق بحصول الأمور المذكورة لا بتقديرها أى قدر حصولها فى يومين وإنما قيل فى أربعة أيام أى تتمة أربعة تصريحا بالفذلكة (سَواءً) مصدر مؤكد لمضمر هو صفة لأيام أى استوت* سواء أى استواء كما ينبىء عنه القراءة بالجر وقيل هو حال من الضمير فى أقواتها أو فى فيها وقرىء بالرفع أى هى سواء (لِلسَّائِلِينَ) متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها أو بقدر أى قدر فيها أقواتها لأجل السائلين أى الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين وقوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) شروع فى بيان كيفية التكوين إثر بيان كيفية التقدير ولعل تخصيص البيان بما يتعلق بالأرض وأهلها لما أن بيان اعتنائه تعالى بأمر المخاطبين وترتيب مبادى معايشهم قبل خلقهم مما يحملهم على الإيمان ويزجرهم عن الكفر والطغيان أى ثم قصد نحوها قصدا سويا لا يلوى على غيره (وَهِيَ دُخانٌ) أى أمر ظلمانى عبر به عن مادتها أو عن الأجزاء المتصغرة التى ركبت هى منها أو دخان مرتفع من الماء كما سيأتى وإنما خص الاستواء بالسماء مع أن الخطاب المترتب عليه متوجه إليهما معا حسبما ينطق به قوله تعالى (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ) اكتفاء بذكر تقديرها وتقدير ما فيها كأنه قيل* فقال لها وللأرض التى قدر وجودها ووجود ما فيها (ائْتِيا) أى كونا واحدثا على وجه معين وفى وقت مقدر لكل منكما وهو عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوجودهما تعلقا فعليا بطريق التمثيل بعد تقدير أمرهما من غير أن يكون هناك أمر ومأمور كما فى قوله تعالى (كُنْ) وقوله تعالى (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) تمثيل* لتحتم تأثير قدرته تعالى فيهما واستحالة امتناعهما من ذلك لا إثبات الطوع والكره لهما وهما مصدران وقعا موقع الحال أى طائعتين أو كارهتين وقوله تعالى (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) أى منقادين تمثيل لكمال* تأثرهما بالذات عن القدرة الربانية وحصولهما كما أمرتا به وتصوير لكون وجودهما كما هما عليه جاريا على مقتضى الحكمة البالغة فإن الطوع منبىء عن ذلك والكره موهم لخلافه وإنما قيل طائعين باعتبار كونهما فى معرض الخطاب والجواب كقوله تعالى (السَّاجِدِينَ) وقوله تعالى (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) تفسير وتفصيل لتكوين السماء المجمل المعبر عنه بالأمر وجوابه لا أنه فعل مترتب على تكوينها أى خلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة والضمير إما للسماء على المعنى أو مبهم وسبع سموات حال على الأول تمييز على الثانى (فِي يَوْمَيْنِ) فى وقت مقدر بيومين وقد بين مقدار زمان خلق الأرض وخلق ما فيها عند بيان تقديرهما فكان خلق الكل فى ستة أيام حسبما نص عليه فى مواقع من التنزيل (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) عطف على قضاهن أى خلق فى كل منها ما فيها من الملائكة*