فقال : يا حسين! ألا تنظر إلى الماء كأنّه كَبد السّماء! والله ، لا تذوق منه قطرةً حتى تموت عَطَشاً!!.
فقال حسين : «اللّهمّ اقتُله عَطَشاً، ولا تَغفِر له أبداً».
قال حُميد بن مسلم : والله ، لعُدتُه بعد ذلك في مرضه ، فوالله الّذي لا إله إلّا هو ، لقد رأيتُه يَشرب حتّى يبغر ، فما يروى ، فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ عصبه ، يعني نفسه (١).
قال ابن قتيبة : فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة ، فأراد الحسين وأصحابه الماء فحالوا بينهم وبينه. فقال له شهر بن حوشب : لا تشربوا منه حتّى تشربوا من الحميم.
فقال عبّاس بن عليّ : يا أبا عبد الله ، نحن على الحقّ فنقاتل؟.
قال : نعم. فركب فرسه ، وحمل بعض أصحابه على الخيول ، ثمّ حمل عليهم فكشفهم عن الماء حتّى شربوا ، وسقوا (٢).
فلمّا اشتدّ على الحسين العطش بعث العبّاس بن عليّ بن أبي طالب ـ وأمّه أمّ البنين بنت حرام من بني كلاب ـ في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ، وبعث معهم بعشرين قربة ؛ فجاؤوا حتّى دنوا من الشريعة ، واستقدم أمامهم نافع بن هلال المراديّ ، ثمّ الجمليّ ، فقال له عمرو بن الحجّاج الزبيديّ ـ وكان على منع الماء ـ : مَنِ الرجل؟ قال : نافع بن هلال.
__________________
(١) تاريخ الطبري (٥ / ٤١٢ ـ ٤١٣).
(٢) ابن قتيبة ، الإمامة والسّياسة (١ / ٦٥). وانظر : الكامل لابن الأثير (٤ / ٥٤).