عزوجل (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تعليل للشرطية وتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على إزالة مشاعرهم بالطريق البرهانى والشىء بحسب مفهومه اللغوى يقع على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كائنا ما كان على أنه فى الأصل مصدر شاء أطلق على المفعول واكتفى فى ذلك باعتبار تعلق المشيئة به من حيث العلم والإخبار عنه فقط وقد خص ههنا بالممكن موجودا كان أو معدوما بقضية اختصاص تعلق القدرة به لما أنها عبارة عن التمكن من الإيجاد والإعدام الخاصين به وقيل هى صفة تقتضى ذلك التمكن والقادر هو الذى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل والقدير هو الفعال لكل ما يشاء كما يشاء ولذلك لم يوصف به غير البارى جل جلاله ومعنى قدرته تعالى على الممكن الموجود حال وجوده أنه إن شاء إبقاءه على الوجود أبقاه عليه فإن علة الوجود هى علة البقاء وقد مر تحقيقه فى تفسير قوله تعالى (رَبِّ الْعالَمِينَ) وإن شاء إعدامه أعدمه ومعنى قدرته على المعدوم حال عدمه أنه إن شاء إيجاده أوجده وإن لم يشأ لم يوجده وقيل قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل والترك وقدرة الله تعالى عبارة عن نفى العجز واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل بقدر ما تقتضيه إرادته أو بقدر قوته وفيه دليل على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى حقيقة لأنه شىء وكل شىء مقدور له تعالى واعلم أن كل واحد من التمثيلين وإن احتمل أن يكون من قبيل التمثيل المفرق كما فى قوله[كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالى] بأن يشبه المنافقون فى التمثيل الأول بالمستوقدين وهداهم الفطرى بالنار وتأييدهم إياه بما شاهدوه من الدلائل باستيقادها وتمكنهم التام من الانتفاع به بإضاءتها ما حولهم وإزالته بإذهاب النور النارى وأخذ الضلالة بمقابلته بملابستهم الظلمات الكشيفة وبقائهم فيها ويشبهوا فى التمثيل الثانى بالسابلة والقرآن وما فيه من العلوم والمعارف التى هى مدار الحياة الأبدية بالصيب الذى هو سبب الحياة الأرضية وما عرض لهم بنزوله من الغموم والأحزان وانكساف البال بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وتصامهم عما يقرع أسماعهم من الوعيد بحال من يهوله الرعد والبرق فيخاف صواعقه فيسد أذنه عنها ولاخلاص له منها واهترازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه أو رفد يحرزونه بمشيهم فى مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم وتحيرهم فى أمرهم حين عن لهم مصيبة بوقوفهم إذا أظلم عليهم لكن الحمل على التمثيل المركب الذى لا يعتبر فيه تشبيه كل واحد من المفردات الواقعة فى أحد الجانبين بواحد من المفردات الواقعة فى الجانب الآخر على وجه التفصيل بل ينتزع فيه من المفردات الواقعة فى جانب المشبه هيئة فتشبه بهيئة أخرى منتزعة من المفردات الواقعة فى جانب المشبه به بأن ينتزع من المنافقين وأحوالهم المفصلة فى كل واحد من التمثيلين هيئة على حدة وينتزع من كل واحد من المستوقدين وأصحاب الصيب وأحوالهم المحكية هيئة بحيالها فتشبيه كل واحدة من الأوليين بما يضاهيها من الأخريين هو الذى يقتضيه جزالة التنزيل ويستدعيه فخامة شأنه الجليل لاشتماله على التشبيه الأول إجمالا مع أمر زائد هو تشبيه الهيئة بالهيئة وإيذانه بأن اجتماع تلك المفردات مستتبع لهيئة عجيبة حقيقة بأن تكون مثلا فى الغرابة.