(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ)(٢٦)
____________________________________
الألم بشر المؤمنين بها وبدوامها تكميلا للبهجة والسرور اللهم وفقنا لمراضيك وثبتنا على ما يؤدى إليها من العقد والعمل (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً) شروع فى تنزيه ساحة التنزيل عن تعلق ريب خاص اعتراهم من جهة ما وقع فيه من ضرب الأمثال وبيان لحكمته وتحقيق للحق أثر تنزيهها عما اعتراهم من مطلق الريب بالتحدى وإلقام الحجر وإفحام كافة البلغاء من أهل المدر والوبر روى أبو صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما أن المنافقون طعنوا فى ضرب الأمثال بالنار والظلمات والرعد والبرق وقالوا الله أجل وأعلى من ضرب الأمثال وروى عطاء رضى الله عنه أن هذا الطعن كان من المشركين وروى عنه أيضا أنه لما نزل قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) الآية وقوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) الآية قالت اليهود أى قدر للذباب والعنكبوت حتى يضرب الله تعالى بهما الأمثال وجعلوا ذلك ذريعة إلى إنكار كونه من عند الله تعالى مع أنه لا يخفى على أحد ممن له تمييز أنه ليس مما يتصور فيه التردد فضلا عن النكير بل هو من أوضح أدلة كونه خارجا عن طوق البشر نازلا من عند خلاق القوى والقدر كيف لا وإن التمثيل كما مر ليس إلا إبراز المعنى المقصود فى معرض الأمر المشهور وتحلية المعقول بحلية المحسوس وتصوير أو ابد المعانى بهيئة المأنوس لاستمالة الوهم واستنزاله عن معارضته للعقل واستعصائه عليه فى إدراك الحقائق الخفية وفهم الدقائق الأبية كى يتابعه فيما يقتضيه ويشايعه إلى ما يرتضيه ولذلك شاعت الأمثال فى الكتب الإلهية والكلمات النبوية وذاعت فى عبارات البلغاء وإشارات الحكماء ومن قضية وجوب التماثل بين الممثل والممثل به فى مناط التمثيل تمثيل العظيم بالعظيم والحقير بالحقير وقد مثل فى الإنجيل غل الصدر بالنخالة ومعارضة السفهاء بإثارة الزنابير وجاء فى عبارات البلغاء أجمع من ذرة وأجرأ من الذباب وأسمع من قراد وأضعف من بعوضة إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصر والحياء تغير النفس وانقباضها عما يعاب به أو يذم عليه يقال حيى الرجل وهو حيى واشتقاقه من الحياة اشتقاق شظى وحشى ونسى من الشظى والنسى والحشى يقال شظى الفرس ونسى وحشى إذا اعتلت منه تلك الأعضاء كأن من يعتريه الحيا تعتل قوته الحيوانية وتنتقص واستحيا بمعناه خلا أنه يتعدى بنفسه وبحرف الجر يقال استحييته واستحييت منه والأول لا يتعدى إلا بحرف الجر وقد يحذف منه إحدى الياءين ومنه قوله[ألا يستحى منا الملوك ويتقى محارمنا لا يبوء الدم بالدم] وقوله[إذا ما استحين الماء يعرض نفسه كرعن بسبت فى إناء من الورد] فكما أنه إذا أسند إليه سبحانه بطريق الإيجاب فى مثل قوله صلىاللهعليهوسلم إن الله يستحيى من ذى الشيبة المسلم أن يعذبه وقوله عليهالسلام إن الله حيى كريم يستحيى إذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا يراد به الترك الخاص على طريقة التمثيل حيث مثل فى