(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُون)(١٢)
____________________________________
فى قلص أو للتكثير كما فى موتت البهائم وبركت الإبل وأن يكون من قولهم كذب الوحشى إذا جرى شوطا ثم وقف لينظر ما وراءه فإن المنافق متوقف فى أمره متردد فى رأيه ولذلك قيل له مذبذب. (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) شروع فى تعديد بعض من قبائحهم المتفرعة على ما حكى عنهم من الكفر والنفاق وإذا ظرف زمن مستقبل ويلزمها معنى الشرط غالبا ولا تدخل إلا فى الأمر المحقق أو المرجح وقوعه واللام متعلقة بقيل ومعناها الانهاء والتبليغ والقائم مقام فاعله جملة لا تفسدوا على أن المراد بها اللفظ وقيل هو مضمر يفسره المذكور والفساد خروج الشىء عن الحالة اللائقة به والصلاح مقابله والفساد فى الأرض هيج الحروب والفتن المستتبعة لزوال الاستقامة عن أحوال العباد واختلال أمر المعاش والمعاد والمراد بما نهوا عنه ما يؤدى إلى ذلك من إفشاء أسرار المؤمنين إلى الكفار وإغرائهم عليهم وغير ذلك من فنون الشرور كما يقال للرجل لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك فى النار إذا أقدم على ما تلك عافيته وهو إما معطوف على يقول فإن جعلت كلمة من موصولة فلا محل له من الإعراب ولا بأس بتخلل البيان أو الاستئناف وما يتعلق بهما بين أجزاء الصلة فإن ذلك ليس توسيطا بالأجنبى وإن جعلت موصوفة فمحله الرفع والمعنى ومن الناس من إذا نهوا من جهة المؤمنين عما هم عليه من الإفساد فى الأرض. (قالُوا) إراءة للناهين إن ذلك غير صادر عنهم مع أن مقصودهم الأصلى إنكار كون ذلك إفسادا وادعاء كونه إصلاحا محضا كما سيأتى توضيحه. (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أى مقصورون على الإصلاح المحض بحيث لا يتعلق به شائبة الإفساد والفساد مشيرين بكلمة إنما إلى أن ذلك من الوضوح بحيث لا ينبغى أن يرتاب فيه وإما كلام مستأنف سيق لتعديد شنائعهم وأما عطفه على يكذبون بمعنى ولهم عذاب أليم بكذبهم وبقولهم حين نهوا عن الإفساد إنما نحن مصلحون كما قيل فيأباه أن هذا النحو من التعليل حقه أن يكون بأوصاف ظاهرة العلية مسلمة الثبوت للموصوف غنية عن البيان لشهرة الاتصاف بها عند السامع أو لسبق ذكره صريحا كما فى قوله تعالى (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فإن مضمونه عبارة عما حكى عنهم من قولهم آمنا بالله وباليوم الآخر أو لذكر ما يستلزمه استلزاما ظاهرا كما فى قوله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) فإن ما ذكر من الضلال عن سبيل الله مما يوجب حتما نسيان جانب الآخرة التى من جملتها يوم الحساب وما لم يكن كذلك فحقه أن يخبر بعليته قصدا كما فى قوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) الآية وقوله (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) الآية إلى غير ذلك ولا ريب فى أن هذه الشرطية وما بعدها من الشرطيتين المعطوفتين عليها ليس مضمون شىء منها معلوم الانتساب إليهم عند السامعين بوجه من الوجوه المذكورة حتى تستحق الانتظام فى سلك التعليل المذكور فإذن حقها أن تكون مسوقة على سنن تعديد قبائحهم على أحد الوجهين مفيدة لاتصافهم بكل واحد من تلك الأوصاف قصدا واستقلالا كيف لا وقوله عزوجل. (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) ينادى بذلك نداء