وغير ذلك من فنون الكفر المؤدى إلى الهلاك الروحانى والتنكير للدلالة على كونه نوعا مبهما غير ما يتعارفه الناس من الأمراض والجملة مقررة لما يفيده قوله تعالى (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) من استمرار عدم إيمانهم أو تعليل له كأنه قيل ما لهم لا يؤمنون فقيل فى قلوبهم مرض يمنعه (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بأن طبع على قلوبهم لعلمه تعالى بأنه لا يؤثر فيها التذكير والإنذار والجملة معطوفة على ما قبلها والفاء للدلالة على ترتب مضمونها عليه وبه اتضح كونهم من الكفرة المختوم على قلوبهم مع زيادة بيان السبب وقيل زادهم كفرا بزيادة التكاليف الشرعية لأنهم كانوا كلما ازداد التكاليف بنزول الوحى يزدادون كفرا ويجوز أن يكون المرض مستعارا لما تداخل قلوبهم من الضعف والجبن والخور عند مشاهدتهم لعزة المسلمين فزيادته تعالى إياهم مرضا ما فعل بهم من إلقاء الروع وقذف الرعب فى قلوبهم عند إعزاز الدين بإمداد النبى صلىاللهعليهوسلم بانزال الملائكة وتأييده بفنون النصر والتمكين فقوله تعالى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) الخ حينئذ استئناف تعليلى لقوله تعالى (يُخادِعُونَ اللهَ) الخ كأنه قيل ما لهم يخادعون ويداهنون ولم لا يجاهرون بما فى قلوبهم من الكفر فقيل فى قلوبهم ضعف مضاعف هذه حالهم فى الدنيا. (وَلَهُمْ) فى الآخرة. (عَذابٌ أَلِيمٌ) أى مؤلم يقال ألم وهو أليم كوجع وهو وجيع وصف به العذاب للمبالغة كما فى قوله [تحية بينهم ضرب وجيع] على طريقة جد جده فإن الألم والوجع حقيقة للمؤلم والمضروب كما أن الجد للجاد وقيل هو بمعنى المؤلم كالسميع بمعنى المسمع وليس ذلك بثبت كما سيجىء فى قوله تعالى (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) الباء للسببية أو للمقابلة وما مصدرية داخلة فى الحقيقة على يكذبون وكلمة كانوا مقحمة لإفادة دوام كذبهم وتجدده أى بسبب كذبهم أو بمقابلة كذبهم المتجدد المستمر الذى هو قولهم آمنا بالله وباليوم الآخر وهم غير مؤمنين فإنه إخبار بإحداثهم الإيمان فيما مضى لا إنشاء للإيمان ولو سلم فهو متضمن للإخبار بصدوره عنهم وليس كذلك لعدم التصديق القلبى بمعنى الإذعان والقبول قطعا ويجوز أن يكون محمولا على الظاهر بناء على رأى من يجوز أن يكون لكان الناقصة مصدر كما صرح به فى قول الشاعر [ببذل وحلم ساد فى قومه الفتى* وكونك إياه عليك يسير أى لهم عذاب أليم بسبب كونهم يكذبون على الاستمرار وترتيب العذاب عليه من بين سائر موجباته القوية إما لأن المراد بيان العذاب الخاص بالمنافقين بناء على ظهور شركتهم للمجاهرين فيما ذكر من العذاب العظيم حسب اشتراكهم فيما يوجبه من الإصرار على الكفر كما ينبئ عنه قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ) الخ وإما للإيذان بأن لهم بمقابلة سائر جنايانهم العظيمة من العذاب ما لا يوصف وإما للرمز إلى كمال سماجة الكذب نظرا إلى ظاهر العبارة المخيلة لانفراده بالسبية مع إحاطة علم السامع بأن لحوق العذاب بهم من جهات شتى وإن الاقتصار عليه للإشعار بنهاية قبحه والتنفير عنه. عن الصديق رضى الله عنه ويروى مرفوعا أيضا إلى النبى صلىاللهعليهوسلم إياكم والكذب فإنه مجانب للإيمان وما روى أن إبراهيم عليهالسلام كذب ثلاث كذبات فالمراد به التعريض وإنما سمى به لشبهه به صورة وقيل ما موصولة والعائد محذوف أى بالذى يكذبونه وقرىء يكذبون والمفعول محذوف وهو إما النبى صلىاللهعليهوسلم أو القرآن وما مصدرية أى بسبب تكذيبهم إياه عليهالسلام أو القرآن أو موصولة أى بالذى يكذبونه على أن العائد محذوف ويجوز أن يكون صيغة التفعيل للمبالغة كما فى بين فى بان وقلص