(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ)(١٣)
____________________________________
جليا فإنه رد من جهته تعالى لدعواهم المحكية أبلغ رد وأدله على سخط عظيم حيث سلك فيه مسلك الاستئناف المؤدى إلى زيادة تمكن الحكم فى ذهن السامع وصدرت الجملة بحرفى التأكيد ألا المنبهة على تحقق ما بعدها فإن الهمزة الإنكارية الداخلة على النفى تفيد تحقيق الإثبات قطعا كما فى قوله تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) ولذلك لا يكاد يقع ما بعدها من الجملة إلا مصدرة بما يلتقى به القسم وأختها التى هى أما من طلائع القسم وقيل هما حرفان بسيطان موضوعان للتنبيه والاستفتاح وإن المقررة للنسبة وعرف الخبر ووسط ضمير الفصل لرد ما فى قصر أنفسهم على الإصلاح من التعريض بالمؤمنين ثم استدرك بقوله تعالى (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) للإيذان بأن كونهم مفسدين من الأمور المحسوسة لكن لا حس لهم حتى يدركوه وهكذا الكلام فى الشرطيتين الآتيتين وما بعدهما من رد مضمونهما ولو لا أن المراد تفصيل جناياتهم وتعديد خبائثهم وهناتهم ثم إظهار فسادها وإبانة بطلانها لما فتح هذا الباب والله أعلم بالصواب. (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) من قبل المؤمنين بطريق الأمر بالمعروف إثر نهيهم عن المنكر إتماما للنصح وإكمالا للإرشاد. (آمِنُوا) حذف المؤمن به لظهوره أو أريد افعلوا الإيمان (كَما آمَنَ النَّاسُ) الكاف فى محل النصب على أنه نعت لمصدر مؤكد محذوف أى آمنوا إيمانا مماثلا لإيمانهم فما مصدرية أو كافة كما فى ربما فإنها تكف الحرف عن العمل وتصحح دخولها على الجملة وتكون للتشبيه بين مضمونى الجملتين أى حققوا إيمانكم كما تحقق إيمانهم واللام للجنس والمراد بالناس الكاملون فى الإنسانية العاملون بقضية العقل فإن اسم الجنس كما يستعمل فى مسماه يستعمل فيما يكون جامعا للمعانى الخاصة به المقصودة منه ولذلك يسلب عما ليس كذلك فيقال هو ليس بإنسان وقد جمعهما من قال إذ الناس ناس والزمان زمان أو للعهد والمراد به الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن معه أو من آمن من أهل جلدتهم كابن سلام وأضرابه والمعنى آمنو إيمانا مقرونا بالإخلاص متمحضا عن شوائب النفاق مماثلا لإيمانهم. (قالُوا) مقابلين للأمر بالمعروف بالإنكار المنكر واصفين للمراجيح الرزان بضد أوصافهم الحسان. (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) مشيرين باللام إلى من أشير إليهم فى الناس من الكاملين أو المعهودين أو إلى الجنس بأسره وهم مندرجون فيه على زعمهم الفاسد والسفه خفة وسخافة رأى يورثهما قصور العقل ويقابله الحلم والأناة وإنما نسبوهم إليه مع أنهم فى الغاية القاصية من الرشد والرزانة والوقار لكمال انهماك أنفسهم فى السفاهة وتماديهم فى الغواية وكونهم ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا فمن حسب الضلال هدى يسمى الهدى لا محالة ضلالا أو لتحقير شأنهم فإن كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم على تقدير كون المراد بالناس عبد الله بن سلام وأمثاله وأياما كان فالذى يقتضيه جزالة التنزيل ويستدعيه فخامة شأنه الجليل أن يكون صدور هذا القول عنهم بمحضر من المؤمنين الناصحين لهم جوابا