(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ)(١٠) ٢ البقرة
____________________________________
الكفرة وأياما كان فنسبته إلى الله سبحانه إما على طريق الاستعارة والتمثيل لإفادة كمال شناعة جنايتهم أى يعاملون معاملة الخادعين وإما على طريقة المجاز العقلى بأن ينسب إليه تعالى ما حقه أن ينسب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم إبانة لمكانته عنده تعالى كما ينبئ عنه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وقوله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) مع إفادة كمال الشناعة كما مر وإما لمجرد التوطئة والتمهيد لما بعده من نسبته إلى الذين آمنوا والإيذان بقوة اختصاصهم به تعالى كما فى قوله تعالى (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وإبقاء صيغة المخادعة على معناها الحقيقى بناء على زعمهم الفاسد وترجمة عن اعتقادهم الباطل كأنه قيل يزعمون أنهم يخدعون الله والله يخدعهم أو على جعلها استعارة تبعية أو تمثيلا لما أن صورة صنعهم مع الله تعالى والمؤمنين وصنعه تعالى معهم بإجراء أحكام الاسلام عليهم وهم عنده أخبث الكفرة وأهل الدرك الأسفل من النار استدراجا لهم وامتثال الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بأمر الله تعالى فى ذلك مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين كما قيل مما لا يرتضيه الذوق السليم أما الأول فلأن المنافقين لو اعتقدوا أن الله تعالى يخدعهم بمقابلة خدعهم له لم يتصور منهم التصدى للخدع وأما الثانى فلأن مقتضى المقام إيراد حالههم خاصة وتصويرها بما يليق بها من الصورة المستهجنة وبيان أن غائلتها آيلة إليهم من حيث لا يحتسبون كما يعرب عنه قوله عز وعلا (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) فالتعرض لحال الجانب الآخر مما يخل بتوفية المقام حقه وهو حال من ضمير يخادعون أى يفعلون ما يفعلون والحال أنهم ما يضرون بذلك إلا أنفسهم فإن دائرة فعلهم مقصورة عليهم أو ما يخدعون حقيقة إلا أنفسهم حيث يغرونها بالأكاذيب فيلقونها فى مهاوى الردى وقرىء وما يخادعون والمعنى هو المعنى ومن حافظ على الصيغة فيما قبل قال وما يعاملون تلك المعاملة الشبيهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم لأن ضررها لا يحيق إلا بهم أو ما يخادعون حقيقة إلا أنفسهم حيث يمنونها الأباطيل وهى أيضا تغرهم وتمنيهم الأمانى الفارغة وقرىء وما يخادعون من التخديع وما يخدعون أى يختدعون ويخدعون ويخادعون على البناء للمفعول ونصب أنفسهم بنزع الخافض والنفس ذات الشىء وحقيقته وقد يقال للروح لأن نفس الحى به وللقلب أيضا لأنه محل الروح أو متعلقه وللدم أيضا لأن قوامها به وللماء أيضا لشدة حاجتها إليه والمراد هنا هو المعنى الأول لأن المقصود بيان أن ضرر مخادعتهم راجع إليهم لا يتخطاهم إلى غيرهم وقوله تعالى (وَما يَشْعُرُونَ) حال من ضمير ما يخدعون أى يقتصرون على خدع أنفسهم والحال أنهم ما يشعرون أى ما يحسون بذلك لتماديهم فى الغواية وحذف المفعول إما لظهوره أو لعمومه أى ما يشعرون بشىء أصلا جعل لحوق وبال ما صنعوا بهم فى الظهور بمنزلة الأمر المحسوس الذى لا يخفى إلا على مؤوف الحواس مختل المشاعر. (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المرض عبارة عما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال اللائق به ويوجب الخلل فى أفاعيله ويؤدى إلى الموت استعير ههنا لما فى قلوبهم من الجهل وسوء العقيدة وعداوة النبى صلىاللهعليهوسلم