(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)(٩)
____________________________________
للموضوع مفروغا عنه غير مقصود بالذات ويكون مناط الإفادة كونهم من أولئك المذكورين ولا ريب لأحد فى أنه يجب حمل النظم الجليل على أجزل المعانى وأكملها وتوحيد الضمير فى يقول باعتبار لفظة من وجمعه فى قوله (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) وما بعده باعتبار معناها والمراد باليوم الآخر من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى أو إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار إذ لا حد وراءه وتخصيصهم للإيمان بهما بالذكر مع تكرير الباء لادعاء أنهم قد حازوا الإيمان من قطريه وأحاطوا به من طرفيه وأنهم قد آمنوا بكل منهما على الأصالة والاستحكام وقد دسوا تحته ما هم عليه من العقائد الفاسدة حيث لم يكن إيمانهم بواحد منهما إيمانا فى الحقيقة إذ كانوا مشركين بالله بقولهم عزير ابن الله وجاحدين باليوم الآخر بقولهم. لن تمسنا النار إلا أياما معدودة. ونحو ذلك وحكاية عبارتهم لبيان كمال خبثهم ودعارتهم فإن ما قالوا لو صدر عنهم لا على وجه الخداع والنفاق وعقيدتهم عقيدتهم لم يكن ذلك إيمانا فكيف وهم يقولونه تمويها على المؤمنين واستهزاءبهم (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) رد لما ادعوه ونفى لما انتحلوه وما حجازية فإن جواز دخول الباء فى خبرها لتأكيد النفى اتفاقى بخلاف التميمية وإيثار الجملة الاسمية على الفعلية الموافقة لدعواهم المردودة للمبالغة فى الرد بإفادة انتفاء الإيمان عنهم فى جميع الأزمنة لا فى الماضى فقط كما يفيده الفعلية ولا يتوهمن أن الجملة الاسمية الإيجابية تفيد دوام الثبوت فعند دخول النفى عليها يتعين الدلالة على نفى الدوام فإنها بمعونة المقام تدل على دوام النفى قطعا كما أن المضارع الخالى عن حرف الامتناع يدل على استمرار الوجود وعند دخول حرف الامتناع عليه يدل على استمرار الامتناع لا على امتناع الاستمرار كما فى قوله عزوجل (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) فإن عدم قضاء الأجل لاستمرار عدم التعجيل لا لعدم استمرار التعجيل وإطلاق الإيمان عما قيدوه به الاذان بأنهم ليسوا من جنس الإيمان فى شىء أصلا فضلا عن الإيمان بما ذكروا وقد جوز أن يكون المراد ذلك ويكون الإطلاق للظهور ومدلول الآية الكريمة أن من أظهر الإيمان واعتقاده بخلافه لا يكون مؤمنا فلا حجة فيها على الكرامية القائلين بأن من تفوه بكلمتى الشهادة فارغ القلب عما يوافقه أو ينافيه مؤمن (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) بيان ليقول وتوضيح لما هو غرضهم مما يقولون أو استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل ما لهم يقولون ذلك وهم غير مؤمنين فقيل يخادعون الله الخ أى يخدعون وقد قرىء كذلك وإيثار صيغة المفاعلة لإفادة المبالغة فى الكيفية فإن الفعل متى غولب فيه بولغ فيه قطعا أو فى الكمية كما فى الممارسة والمزاولة فإنهم كانوا مداومين على الخدع والخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروء ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب أو يوهمه المساعدة على ما يريد هو به ليغتر بذلك فينجوا منه بسهولة من قولهم ضب خادع وخدع وهو الذى إذا أمر الحارش يده على باب جحره يوهمه الإقبال عليه فيخرج من بابه الآخر وكلا المعنيين مناسب للمقام فإنهم كانوا يريدون بما صنعوا أن يطلعوا على أسرار المؤمنين فيذيعوها إلى المنابذين وأن يدفعوا عن أنفسهم ما يصيب سائر