(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٨)
____________________________________
فى الآخرة والعذاب كالنكال بناء ومعنى يقال أعذب عن الشىء إذا أمسك عنه ومنه الماء العذب لما أنه يقمع العطش ويردعه ولذلك يسمى نقاخا لأنه ينقخ العطش ويكسره وفراتا لأنه يرفته على القلب ويكسره ثم اتسع فيه فأطلق على كل ألم فادح وإن لم يكن عقابا يراد به ردع الجانى عن المعاودة وقيل اشتقاقه من التعذيب الذى هو إزالة العذاب كالتقذية والتمريض والعظيم نقيض الحقير والكبير نقيض الصغير فمن ضرورة كون الحقير دون الصغير كون العظيم فوق الكبير ويستعملان فى الجثث والأحداث تقول رجل عظيم وكبير تريد جثته أو خطره ووصف العذاب به لتأكيد ما يفيده التنكير من التفخيم والهويل والمبالغة فى ذلك والمعنى أن على أبصارهم ضربا من الغشاوة خارجا مما يتعارفه الناس وهى غشاوة التعامى عن الآيات ولهم من الآلام العظام نوع عظيم لا يبلغ كنهه ولا يدرك غايته اللهم إنا نعوذبك من ذلك كله يا أرحم الراحمين. (وَمِنَ النَّاسِ) شروع فى بيان أن بعض من حكيت أحوالهم السالفة ليسوا بمقتصرين على ٨ ما ذكر من محض الإصرار على الكفر والعناد بل يضمون إليه فنونا أخر من الشر والفساد وتعديد لجناياتهم الشنيعة المستتبعة لأحوال هائلة عاجلة وآجلة وأصل ناس أناس كما يشهد له إنسان وأناسى وأنس حذفت همزته تخفيفا كما قيل لوقة فى ألوقه وعوض عنها حرف التعريف ولذلك لا يكاد يجمع بينهما وأما ما فى قوله [إن المنايا يطلعن على الإناس الآمنينا] فشاذ سموا بذلك لظهورهم وتعلق الإناس بهم كما سمى الجن جنا لاجتنانهم وذهب بعضهم إلى أن أصله النوس وهو الحركة انقلبت واوه ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وبعضهم إلى أنه مأخوذ من نسى نقلت لامه إلى موضع العين فصار نيسا ثم قلبت ألفا سموا بذلك لنسيانهم ويروى عن ابن عباس أنه قال سمى الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسى واللام فيه إما للعهد أو للجنس المقصور على المصرين حسبما ذكر فى الموصول كأنه قيل ومنهم أو من أولئك والعدول إلى الناس للإيذان بكثرتهم كما ينبئ عنه التبعيض ومحل الظرف الرفع على أنه مبتدأ باعتبار مضمونه أو نعت لمبتدأ كما فى قوله عزوجل ومنادون ذلك أى وجمع منا الخ ومن فى قوله تعالى (مَنْ يَقُولُ) موصولة أو موصوفة ومحلها الرفع على الخبرية والمعنى وبعض الناس أو وبعض من الناس الذى يقول كقوله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) الآية أو فريق يقول كقوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ) الخ على أن يكون مناط الإفادة والمقصود بالأصالة اتصافهم بما فى حيز الصلة أو الصفة وما يتعلق به من الصفات جميعا لا كونهم ذوات أولئك المذكورين وأما جعل الظرف خبرا كما هو الشائع فى موارد الاستعمال فيأبأه جزالة المعنى لأن كونهم من الناس ظاهر فالإخبار به عار عن الفائدة كما قيل فإن مباه توهم كون المراد بالناس الجنس مطلقا وكذا مدار الجواب عنه بأن الفائدة هو التنبيه على أن الصفات المذكورة تنافى الإنسانية فحق من يتصف بها أن لا يعلم كونه من الناس فيخبر به ويتعجب منه وأنت خبير بأن الناس عبارة عن المعهودين أو عن الجنس المقصور على المصرين وأيا ما كان فالفائدة ظاهرة بل لأن خبرية الظرف تستدعى أن يكون اتصاف هؤلاء بتلك الصفات القبيحة المفصلة فى ثلاث عشرة آية عنوانا