فإنه يستدعى سابقة المخبر عنه لا محالة وأجيب بأنه من مقتضيات التعلق وحدوثه لا يستدعى حدوث الكلام كما أن حدوث تعلق العلم بالمعلوم لا يستدعى حدوث العلم (سواء) هو اسم بمعنى الاستواء نعت به كما ينعت بالمصادر مبالغة قال تعالى (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) وقوله تعالى (عَلَيْهِمْ) متعلق به ومعناه عندهم وارتفاعه على أنه خبر لأن وقوله تعالى (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) مرتفع به على الفاعلية لأن الهمزة وأم مجردتان عن معنى الاستفهام لتحقيق الاستواء بين مدخوليهما كما جرد الأمر والنهى لذلك عن معنييهما فى قوله تعالى (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) وحرف النداء فى قولك اللهم اغفر لنا أيتها العصابة عن معنى الطلب لمجرد التخصيص كأنه قيل إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه كقولك إن زيدا مختصم أخوه وابن عمه أو مبتدأ وسواء عليهم خبر قدم عليه اعتناء بشأنه والجملة خبر لأن والفعل إنما يمتنع الإخبار عنه بقائه على حقيقته أما لو أريد به اللفظ أو مطلق الحدث المدلول عليه ضمنا على طريقة الاتساع فهو كالاسم فى الإضافة والإسناد إليه كما فى قوله تعالى (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) وقوله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا) وفى قولهم تسمع بالمعيدى خير من أن تراه كأنه قيل إنذارك وعدمه سيان عليهم والعدول إلى الفعل لما فيه من إيهام التجدد والتوصل إلى إدخال الهمزة ومعادلها عليه لإفادة تقرير معنى الاستواء وتأكيده كما أشير إليه وقيل سواء مبتدأ وما بعده خبره وليس بذاك لأن مقتضى المقام بيان كون الإنذار وعدمه سواء لا بيان كون المستوى الإتذار وعدمه والإنذار إعلام المخوف للاحتراز عنه إفعال من نذر بالشىء إذا علمه فحذره والمراد ههنا التخويف من عذاب الله وعقابه على المعاصى والاقتصار عليه لما أنهم ليسوا بأهل للبشارة أصلا ولأن الإنذار أوقع فى القلوب وأشد تأثيرا فى النفوس فإن دفع المضار أهم من جلب المنافع فحيث لم يتأثروا به فلأن لا يرفعوا للبشارة رأسا أولى وقرىء بتوسيط ألف بين الهمزتين مع تحقيقهما وبتوسيطها والثانية بين بين وبتخفيف الثانية بين بين بلا توسيط وبحذف حرف الاستفهام وبحذفه وإلقاء حركته على الساكن قبله كما قرىء قد أفلح وقرىء بقلب الثانية ألفا وقد نسب ذلك إلى اللحن. (لا يُؤْمِنُونَ) جملة مستقلة مؤكدة لما قبلها مبينة لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء فلا محل لها من الإعراب أو حال مؤكدة له أو بدل منه أو خبر لأن وما قبلها اعتراض بما هو علة للحكم أو خبر ثان على رأى من يجوزه عند كونه جملة والآية الكريمة مما استدل به على جواز التكليف بما لا يطاق فإنه تعالى قد أخبر عنهم بأنهم لا يؤمنون فظهر استحالة إيمانهم لاستلزامه المستحيل الذى هو عدم مطابقة أخباره تعالى للواقع مع كونهم مأمورين بالإيمان باقين على التكليف ولأن من جملة ما كلفوه الإيمان بعدم إيمانهم المستمر والحق أن التكليف بالممتنع لذاته وإن جاز عقلا من حيث أن الأحكام لا تستدعى أغراضا لا سيما الامتثال لكنه غير واقع للاستقراء والإخبار بوقوع الشىء أو بعدمه لا ينفى القدرة عليه كإخباره تعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره وليس ما كلفوه الإيمان بتفاصيل ما نطق به القرآن حتى يلزم أن يكلفوا الإيمان بعدم إيمانهم المستمر بل هو الإيمان بجميع ما جاء به النبى صلىاللهعليهوسلم إجمالا على أن كون الموصول عبارة عنهم ليس معلوما لهم وفائدة الإنذار بعد العلم بأنه لا يفيد إلزام الحجة وإحراز الرسول صلىاللهعليهوسلم فضل الإبلاغ ولذلك قيل سواء عليهم ولم يقل عليك كما قيل لعبدة الأصنام سواء عليكم أدعو تموهم أم أنتم صامتون