(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٦)
____________________________________
حقيقة المفلحين وخصائصهم هذا وفى بيان اختصاص المتقين بنيل هذه المراتب الفائقة على فنون من الاعتبارات الرائقة اللائقة حسبما أشير إليه فى تضاعيف تفسير الآية الكريمة من الترغيب فى اقتفاء أثرهم والارشاد إلى اقتداء سيرهم ما لا يخفى مكانه والله ولى الهداية والتوفيق (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) كلام مستأنف سيق لشرح أحوال الكفرة الغواة المردة العتاة إثر بيان أحوال أضدادهم المتصفين بنعوت الكمال الفائزين بمباغيهم فى الحال والمآل وإنما ترك العاطف بينهما ولم يسلك به مسلك قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) لما بينها من التنافى فى الأسلوب والتباين فى الغرض فإن الأولى مسوقة لبيان رفعة شأن الكتاب فى باب الهداية والإرشاد وأما التعرض لأحوال المهتدين به فإنما هو بطريق الاستطراد سواء جعل الموصول موصولا بما قبله أو مفصولا عنه فإن الاستئناف مبنى على سؤال نشأ من الكلام المتقدم فهو من مستتبعاته لا محالة وأما الثانية فمسوقة لبيان أحوال الكفرة أصالة وترامى أمرهم فى الغواية والضلال إلى حيث لا يجديهم الإنذار والتبشير ولا يؤثر فيهم العظة والتذكير فهم ناكبون فى تيه الغى والفساد عن منهاج العقول وراكبون فى مسلك المكابرة والعناد متن كل صعب وذلول وإنما أو ثرت هذه الطريقة ولم يؤسس الكلام على بيان أن الكتاب هاد للأولين وغير مجد للآخرين لأن العنوان الأخير ليس مما يورثه كمالا حتى يتعرض له فى أثناء تعداد كمالاته وإن من الحروف التى تشابه الفعل فى عدد الحروف والبناء على الفتح ولزوم الأسماء ودخول نون الوقاية عليها كأننى ولعلنى ونظائرهما وإعطاء معانيه والمتعدى خاصة فى الدخول على اسمين ولذلك أعملت عمله الفرعى وهو نصب الأول ورفع الثانى إيذانا بكونه فرعا فى العمل دخيلا فيه وعند الكوفيين لا عمل لها فى الخبر بل هو باق على حاله بقضية الاستصحاب وأجيب بأن ارتفاع الخبر مشروط بالتجرد عن العوامل وإلا لما انتصب خبر كان وقد زال بدخولها فتعين إعمال الحرف وأثرها تأكيد النسبة وتحقيقها ولذلك يتلقى بها القسم ويصدر بها الأجوبة ويؤتى بها فى مواقع الشك والإنكار لدفعه ورده قال المبرد قولك عبد الله قائم إخبار عن قيامه وإن عبد الله قائم جواب سائل عن قيامه شاك فيه وإن عبد الله لقائم جواب منكر لقيامه وتعريف الموصول إما للعهد والمراد به ناس بأعيانهم كأبى لهب وأبى جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهم وأحبار اليهود أو للجنس وقد خص منه غير المصرين بما أسند إليه من قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) الخ والكفر فى اللغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح أى الستر ومنه قيل للزراع والليل كافر قال تعالى (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) وعليه قول لبيد فى ليلة كفر النجوم غمامها ومنه المتكفر بسلاحه وهو الشاكى الذى غطى السلاح بدنه وفى الشريعة إنكار ما علم بالضرورة مجىء الرسول صلىاللهعليهوسلم به وإنما عد لبس الغيار وشد الزنار بغير اضطرار ونظائرهما كفرا لدلالته على التكذيب فإن من صدق النبى صلىاللهعليهوسلم لا يكاد يجترىء على أمثال ذلك إذ لا داعى إليه كالزنى وشرب الخمر واحتجت المعتزلة على حدوث القرآن بما جاء فيه بلفظ الماضى على وجه الأخبار