(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٧)
____________________________________
وفى الآية الكريمة إخبار بالغيب على ما هو به إن أريد بالموصول أشخاص بأعيانهم فهى من المعجزات الباهرة (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) استئناف تعليلى لما سبق من الحكم وبيان لما يقتضيه أو بيان وتأكيد له ٧ والمراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد والختم على الشىء الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه صيانة له أو لما فيه من التعرض له كما فى البيت الفارغ والكيس المملوء والأول هو الأنسب بالمقام إذ ليس المراد به صيانة ما فى قلوبهم بل إحداث حالة تجعلها بسبب تماديهم فى الغى وانهما كهم فى التقليد وإعراضهم عن منهاج النظر الصحيح بحيث لا يؤثر فيها الإنذار ولا ينفذ فيها الحق أصلا إما على طريقة الاستعارة التبعية بأن يشبه ذلك بضرب الخاتم على نحو أبواب المنازل الخالية المبنية للسكنى تشبيه معقول بمحسوس بجامع عقلى هو الاشتمال على منع القابل عما من شأنه وحقه أن يقبله ويستعار له الختم ثم يشتق منه صيغة الماضى وإما على طريقة التمثيل بأن يشبه الهيئة المنتزعة من قلوبهم وقد فعل بها ما فعل من إحداث تلك الحالة المانعة من أن يصل إليها ما خلقت هى لأجله من الأمور الدينية النافعة وحيل بينها وبينه بالمرة بهيئة منتزعة من محال معدة لحلول ما يحلها حلولا مستتبعا لمصالح مهمة وقد منع من ذلك بالختم عليها وحيل بينها وبين ما أعدت لأجله بالكلية ثم يستعار لها ما يدل على الهيئة المشبه بها فيكون كل من طرفى التشبيه مركبا من أمور عدة قد اقتصر من جانب المشبه به على ما عليه يدور الأمر فى تصوير تلك الهيئة وانتزاعها وهو الختم والباقى منوى مراد قصدا بألفاظ متخيلة بها يتحقق التركيب وتلك الألفاظ وإن كان لها مدخل فى تحقيق وجه الشبه الذى هو أمر عقلى منتزع منها وهو امتناع الانتفاع بما أعد له بسبب مانع قوى لكن ليس فى شىء منها على الانفراد تجوز باعتبار هذا المجاز بل هى باقية على حالها من كونها حقيقة أو مجازا أو كناية وإنما التجوز فى المجموع وحيث كان معنى المجموع مجموع معانى تلك الألفاظ التى ليس فيها التجوز المعهود ولم تكن الهيئة المنتزعة منها مدلولا وضعيا لها ليكون ما دل على الهيئة المشبه بها عند استعماله فى الهيئة المشبهة مستعملا فى غير ما وضع له فيندرج تحت الاستعارة التى هى قسم من المجاز اللغوى الذى هو عبارة عن الكلمة المستعملة فى غير ما وضع له ذهب قدماء المحققين كالشيخ عبد القاهر وأضرابه إلى جعل التمثيل قسما برأسه ومن رام تقليل الأقسام عد تلك الهيئة المشبه بها من قبيل المدلولات الوضعية وجعل الكلام المفيد لها عند استعماله فيما يشبه بها من هيئة أخرى منتزعة من أمور أخر من قبيل الاستعارة وسماه استعارة تمثيلية وإسناد إحداث تلك الحالة فى قلوبهم إلى الله تعالى لاستناد جميع الحوادث عندنا من حيث الخلق إليه سبحانه وتعالى وورود الآية الكريمة ناعية عليهم سوء صنيعهم ووخامة عاقبتهم لكون أفعالهم من حيث الكسب مستندة إليهم فإن خلقها منه سبحانه ليس بطريق الجبر بل بطريق الترتيب على ما اقترفوه من القبائح كما يعرب عنه قوله تعالى (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) ونحو ذلك وأما المعتزلة فقد سلكوا مسلك التأويل وذكروا فى ذلك عدة من الأقاويل منها أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك فى قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقى المجبول عليه ومنها أن المراد به تمثيل قلوبهم بقلوب البهائم التى خلقها